يتردد مفهوم (تطوير الذات) في كل ناحية من نواحي حياتنا؛ فنجد هذا المفهوم في العمل وفي المنزل وعند الأصدقاء وبين الجلساء، ونجد أمامنا كماً كبيراً من الكتب والمجلات، وعدداً لا حصر له من الدورات والبرامج واللقاءات، وما إلى ذلك مما يتم الترويج له في الأوساط الثقافية والمهنية باسم تطوير الذات أو التنمية الذاتية أو التنمية البشرية.
ولعل التطوير والتحسين في عالم تنافسي، وفي زمن التغيرات المتسارعة بمختلف مجالات الحياة يعد أمراً بالغ الأهمية، وحاجة تبرر السعي المستمر إلى رفع مستوى القدرات والمهارات بحثاً عن تحقيق النجاح والرضا الشخصي. وليس هناك ما يدعو للاعتراض على تطوير الذات (بهذا المفهوم) أو يبرر التقليل من أهميته في حياة الإنسان الذي خلق ملازماً لصفة التطوير والتغيير، بل ينبغي الحث على ذلك والتذكير بأن الإسلام يُشجَّع على التغيير إلى الأفضل، ويحث على اكتساب المزيد من العلم؛ لأنه يؤدي إلى مزيد من الوعي والفهم والإتقان.
ولكن عند القيام بعملية تطوير الذات، لا بد من التنبه إلى عدد من المحاذير المتعلقة بهذه العملية، ومنها: المبالغة في الاندفاع إلى تطوير الذات مما يأخذ بهذا المفهوم إلى منحنىً آخر يتسم (بهوس التطوير) دون مراعاة للحاجة، ودون اعتبار للمبادئ التي يجب أن ينطلق منها والاتجاهات التي ينبغي أن يسير نحوها. فالمعلوم أن تطوير الذات يستهدف جانبين مهمين في حياة الفرد، هما الجانب الشخصي والجانب المهني، وبذلك فهو يعمل على تحسين الصفات الشخصية والاجتماعية، وتطوير القدرات المعرفية والمهارات المهنية، والعناية بالصحة النفسية والصحة العامة، وتنمية القدرة على التعامل مع التحديات والتغيرات.
ومن المحذورات التي ينبغي التنبه إليها في مجال تطوير الذات هو التساهل في اتباع الأساليب التي تدعو إلى إحداث التغيير الإيجابي في شخصية الفرد بالتركيز على العوامل النفسية، وبناء معتقدات جديدة، باستخدام بعض القوانين مثل قانون الجذب، وقانون الارتباط، والعلاج بالطاقة وغيرها، دون تنقيتها من الشوائب التي تمس عقيدة التوحيد أو تخالف ما جاءت به الشرعية الإسلامية. ولذلك من المهم في التنمية الذاتية أن يتجه الفرد نحو المصادر الموثوقة والمعتمدة.
وفي جانب آخر ينبغي لمن يسعى إلى تطوير الذات أن يحذر من فكرة التطلع إلى تحقيق الكمال في كل جانب من جوانب الحياة، إذ أن الإنسان مجبول على النقص والقصور، وليس من الضروري أن يتصف بالمثالية في كل شيء. ولكن عليه أن يتقبل نفسه بشكل إيجابي، ويعترف بما يملك من قدرات ومهارات، ويعمل على تطويرها، وتنميتها بصورة واقعية ومتوازنة. وعليه أن يعي بأن المبالغة في رفع سقف التوقعات قد يؤدي إلى الشعور بالإحباط عند عدم تحقق النمو المتوقع في الوقت المطلوب. ولذلك من المهم تحديد الأهداف الواقعية، مع الإيمان بأن التطوير الذاتي لا يحدث بشكل فوري، أو بطريقة سحرية، وإنما هو عملية مستمرة ومستدامة تتميز بالتقدم التدريجي، وتتطلب قدراً كبيراً من الوقت والجهد والتفاني والالتزام.
ومما ينبغي التنبه إليه هو الانغماس في عملية تطوير الذات إلى الحد الذي يجعل الفرد يتجه إلى التركيز في جوانب محددة على حساب جوانب أخرى مهمة في الحياة، أو إهمال بعض المسؤوليات المهنية، وتأجيل بعض المهام تحت ذريعة الانشغال بتطوير الذات. فالأولى أن يتم التطوير الذاتي بطريقة مخططة ومتوازنة وواقعية، وأن يتم اتخاذ خطوات التطوير والتحسين بحسب الحاجة، وبالاعتماد على المصادر الموثوقة، مع ضرورة تخصيص الوقت الكافي والجهد المأمول لكل جانب من الجوانب الشخصية والمهنية.
المشاهدات : 296
التعليقات: 0