ثمة هدية لا يمكن لأحد أن يرفضها، أو يمتنع عن أخذها؛ فهي من أعظم وأروع الهدايا..
حقيقة الأمر، كلنا نحب الهدية صغرت أم كبرت، وكلنا نتفق على أن معنى الهدية يفوق بكثير حجمَها وسعَرها..
والهدية كما يقال( بأصحابها)
من هنا فإننا نسمع كثيرًا: كيف تقدم تلك الهدية؟
قبل ذلك لابد أن نعلم أن الهدية الحقيقية ما كانت معنوية وليست مادية..
ماكانت دائمة وليست مؤقتة، إنها يا كرام تلك النصيحة من قلب لايعرف النفاق، ولا المجاملة الخادعة..
القارئ الكريم:
قد يكون قلبك يتفطر على من تقدم له تلك النصيحة، ويتفطر أكثر لعدم قبولها..
فلماذا؟
لماذا عدم القبول تحديدًا؟؟
لا أحد يكره أن يُقدم له النصح، لكن..
تبدو إشكاليتنا في الطريقة، نعم الطريقة..
قال العلامة الشيخ الزاهد عبد العزيز السلمان رحمه الله:
في كتابه( إرشاد العباد للاستعداد ليوم المعاد )
كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: (رحم الله امرأً أهدى إلي عيوبي) وكان يسأل سلمان عن عيوبه، فلما قدم عليه قال: ما الذي بلغك عني مما تكرهه.
قال: أعفني يا أمير المؤمنين فألح عليه، فقال: بلغني أنك جمعت بين إدامين على مائدة وأن لك حلتين حلة بالنهار وحلة بالليل.
قال: وهل بلغك غير هذا؟ قال: لا، قال: أما هذان فقد كفيتهما.
وكان يسأل حذيفة ويقول له: أنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في معرفة المنافقين فهل ترى علي شيئا من آثار النفاق.
فهو على جلالة قدره وعلو منصبه هكذا كانت تهمته لنفسه رضي الله عنه.
فكل من كان أرجح عقلا وأقوى في الدين وأعلى منصبًا، كان أكثر تواضعًا، وأبعد عن الكبر والإعجاب وأعظم اتهامًا لنفسه، وهذا يعتبر نادرًا يعز وجوده.
فقليل في الأصدقاء من يكون مخلصًا صريحًا بعيدًا عن المداهنة متجنبًا للحسد يخبرك بالعيوب ولا يزيد فيها ولا ينقص، وليس له أغراض يرى ما ليس عيبا عيبًا أو يخفي بعضها.
قيل لبعض العلماء، وقد اعتزل الناس وكان منطويًا عنهم: لِمَ امتنعت عن المخالطة؟ فقال: وماذا أصنع بأقوام يخفون عني عيوبي..)
حقيقة لا تُنكر:
كثرة المجاملات قد تورد المهالك نسأل الله السلامة والعافية.
وليس معنى ذلك أن لا نجامل أو نقدم النصيحة بقسوة كلا..
فالله تعالى قال لموسى وأخيه { فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ }
يقصد فرعون على عظم جبروته وهو في
غاية العتو والاستكبار وكفره بالله،
وموسى صفوة الله من خلقه ..
وقال لنبيه محمد عليه الصلاة والسلام:
{ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ }
القراء الكرام:
هناك قاعدة نتفق عليها جميعًا بحكم تلك النفس البشرية التي تكره التعريض أمام الآخرين:
تَعَمَّدني بِنُصْحِكَ في انْفِرَادِي,
وجنِّبني النصيحة َ في الجماعهْ
فَإِنَّ النُّصْحَ بَيْنَ النَّاسِ نَوْعٌ,
من التوبيخِ لا أرضى استماعه
وَإنْ خَالَفْتنِي وَعَصَيْتَ قَوْلِي,
فَلاَ تَجْزَعْ إذَا لَمْ تُعْطَ طاعة
النصح بانفراد هو أساس من أسس النصيحة، ثم هناك أساس لا يقل عنه أهمية، إنه تلك النصيحة نفسها( هل خرجت من قلب صادق يتمثل قول رسولنا الكريم:
( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) وبالتالي يحرص على النصح في موضعه الصحيح..؟
ثمة أمر مهم قبل تقديم النصيحة:
( لابد في أي علاقة إنسانية أن تبنى بنية خالصة لوجه الله( بعيدًا عن أي مصلحة)، حتى إذا حان وقت النصح يجد المنصوح ما يدفعه لقبول النصيحة، وحتى لو لم يقبلها فعلى الأقل لا يعارضها..
وهناك أمر آخر:
أنت أيها الناصح وأيتها الناصحة لا تنتقي من تنصحهم وتزعم أنك متفضل عليهم( الأمر ليس كذلك) إنما هو هدي نبوي( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)
من أعجب الإهداء:
( من أعجب الإهداء أن يكون بينك وبين أحدهم خلاف، وتجدك قد تجاوزت ذلك الخلاف إلى تقديم النصح له برفق ولين؛ لأنك وجدته قد حاد عن الطريق..!
وهنا يظهر صدق الإيمان وصدق المشاعر..
وفي صحيح مسلم عن تميم الداري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (الدين النصيحة – ثلاثا – قلنا لمن ؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)
قال العلماء : النصيحة لله إخلاص الاعتقاد في الوحدانية ، ووصفه بصفات الألوهية ، وتنزيهه عن النقائص والرغبة في محابه والبعد من مساخطه . والنصيحة لرسوله : التصديق بنبوته ، والتزام طاعته في أمره ونهيه ، وموالاة من والاه ومعاداة من عاداه ، وتوقيره ، ومحبته ومحبة آل بيته ، وتعظيمه وتعظيم سنته ، وإحياؤها بعد موته بالبحث عنها ، والتفقه فيها والذب عنها ونشرها والدعاء إليها ، والتخلق بأخلاقه الكريمة صلى الله عليه وسلم . وكذا النصح لكتاب الله : قراءته والتفقه فيه ، والذب عنه وتعليمه وإكرامه والتخلق به . والنصح لأئمة المسلمين : ترك الخروج عليهم ، وإرشادهم إلى الحق وتنبيههم فيما أغفلوه من أمور المسلمين ، ولزوم طاعتهم والقيام بواجب حقهم . والنصح للعامة : ترك معاداتهم ، وإرشادهم وحب الصالحين منهم ، والدعاء لجميعهم وإرادة الخير لكافتهم . وفي الحديث الصحيح مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى .)
من الأولى بالهدية؟؟
البعض للأسف ينصح الآخرين ويترك الأولى بالنصيحة وهي نفسه، وتلك النفس أولى بالمجاهدة والعناية بالتوجيه، والتقويم.
{ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ۚ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ } كما جاء في القرآن..
ثم إنه من الطبيعي أن لا تُقبل نصيحتك وقد أهملت نفسك في هذا الجانب الذي نصحت به غيرك.
{ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ }
أيها المنصوح:
فكر من عدة زوايا لتلك النصيحة، ولا تجعل اختلاس الشيطان و وسوسته يضيع عليك فرصة النجاة حينما قُدم لك طوقها..
أخيرًا ..
لنحرص على تقديم الهدية سواء كانت نصيحة أو هدية حقيقية لما لها من أثر، فالهدية الحقيقة حتى لو كانت بسيطة، فإنها تحفظ الود بين الآخرين،
وقد ذكر ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام: (تهادوا تحابوا)