بكاء الزجاج ..
الكاتبة – الجوهرة جربوع القفاري .
أصواتٌ قرقعة قوارير الزجاج التي رصتها في العربه وسارت بها، تمزق شرنقة صمت الشوارع في عتمة الليل البارد المرتعش.
فقد أقسمت ذات يوم عاصف بأنها ستلملم بقايا كل حبٍ سكب، ورمي على الأرصفة، والأزقة، والشوارع، تسير مطرقةٌ وكأنها تعد أحجار الشارع، تتلفت حولها لتتعرف على مصدر الأنين فهو آتٍ من مكانٍ قريب.
تحرك عربتها باتجاه الصوت فتصدر القوارير الفارغة صوتًا عالٍ أزعج صمت القلوب المرتعدة.
تصل لمصدر الصوت رغم أن الأنوار الخافته المتراقصة بالشوارع تحجب عنها ملامح كل شيء حولها لكنها استطاعت أن تميز صوت الآنين الذي كان يصدر من زهرة البنفسج التي كانت تنازع على الرصيف، حملتها برفقٍ وقد فقدت شيئًا من بتلاتها وكُسر جزءٌ من ساقها، لكنها ما تزال تحمل لونها وشيئًا من عطرها.
أسرعت وجلبت زجاجةً من زجاجاتها ووضعتها بها وكتبت على الزجاجة بقي منها شيء!
ثم وضعتها في العربه وأكملت المسير وبعد خطوات أوقفها أنينٌ أخر، ممتزجًا ببكاءٍ وتأوهات، أطرقت وإذ بصاحب الصوت تحت قدميها، لكن لحسن حظها لم تدهسه! انحنت لتلتقط قصاصاتٍ من ورقةٍ مزقت وسكب حبرها، جمعت القصاصات وشيئًا من الحبر ووضعته بزجاجةٍ أخرى وكتبت عليها:
كان هنا !
اكملت طريقها تلملم من هنا وتحمل من هناك، حتى أنتهت زجاجاتها، لكن الطريق ما يزال طويلًا، فهل تعود وتجلب زجاجاتٍ أخرى؟ أم تضع كل مجموعة بزجاجةٍ واحدة؟
فتضع الأزهار بحسب أنفاسها، وألوانها، وتضع الأوراق بحسب نبضها، ومعناها وألمها.
وتضع الدموع بحسب كمياتها، وصدقها !
لا تعلم ماذا تفعل ! فتنظر للخلف لتجد أن طريق العودة معتمٌ وطويل.
وتنظر للأمام فتجد أن طريق المكلومين، والباكين، والمفارقين، قاسٍ وبعيد.
فهل تقف ؟ وتكتفِ بجراح من معها، وزفرات من فيها ؟! لكن وعدها ماذا تفعل به؟ لقد أقسمت أن تلملم بقاياهم، فتدفن من مات منهم وتزرع من بقيت حياة فيهم.
وتسقي من جفت عروقه بهم.
لقد اقسمت أن تكمل الطريق وتلملم الدموع، وتسقي الجذور، وتنحت على كل رصيفٍ حرفاً لتمطر بعد أعوامٍ فتنسكب الحروف من الجدران، وتكون كل المعانِ والآلام والأوجاع
المشاهدات : 26792
التعليقات: 0