نحن ننتمي إلى بيئة اجتماعية ذات علاقات كبيرة ومتداخلة ومبالغ فيها أحيانًا، مجتمعاتنا ترتكز فيها الحياة على شبكة واسعة وقوية من العلاقات الاجتماعية التي تستهلك معظم وقت وجهد الإنسان لدينا، خصوصًا في القرى والمدن المتوسطة والصغيرة التي تقّل فيها ساعات العمل وتكثر فيها الأنشطة والمناسبات الاجتماعية.
وعندما اجتاحت جائحة كورونا العالم بما فيها أوطاننا، وأقرّت الحكومات تطبيق التباعد الاجتماعي من خلال العزل المنزلي وحظر التجمعات… إلخ، وجدنا أنفسنا نحن العرب في مواجهة أنفسنا بشكل كامل وخارج نطاق الدائرة الاجتماعية التي اعتدنا أن ندور فيها بلا توقف، كان هذا الأمر قاسيًا وصعبًا علينا بالتأكيد، لكنه جعلنا مجبرين على أن نواجه ذواتنا وأن نحاول إعادة اكتشاف أنفسنا ومحاولة فهمها ومعرفة متطلباتها واحتياجاتها بعد أن انشغلنا طوال فترة حياتنا بجميع من يحيط بنا سواها.
مواجهة النفس والانفراد بها ليس أمرًا سهلًا لمن اعتاد الهروب منها من خلال الانغماس الكامل في علاقته بالآخرين، ولذلك كان الأمر صعبًا على الكثيرين، لكنه في المقابل كان فرصة للبعض أن يكتشف نفسه من جديد، وأن يحاول أن يفهم ذاته ويتعرّف على خباياها، وأن يعيد اكتشاف العالم المحيط به من خلال اكتشافه لذاته ومعرفة حاجاتها الحقيقية بعيدًا عن ضغط المجموعة وتيار الفكر الجمعي الذي كان يمارس قيادتها بدون إرادة.
نعم هناك وجه إيجابي لكل أزمة، وجائحة كورونا التي نعيش في ظل أزمتها واحدة منها.
فهل يا ترى نحن قادرون على استغلال فترة التباعد الاجتماعي باكتشاف أنفسنا ومعرفتها على حقيقتها ومن ثم إعادة تقييم حياتنا ورغباتنا وأهدافنا من خلال ما نكتشفه من حاجات وسمات تتشكل منها ذواتنا التي لطالما هجرناها إلى درجة أننا وفي زحمة الحياة وتسارعها لم نعرفها على حقيقتها ولم نحاول حتى ذلك
المشاهدات : 2360
التعليقات: 0