قِطَع شطرنج جديدة تحركت على طاولة الحرب الروسية الأوكرانية، قد تتغير معها ملامح القوى السياسية في العالم، وبات كل سكان العالم يحبسون أنفاسهم خوفًا من تمددها؛ إذ تتحول أزمة موسكو- كييف من مجرد عراك إقليمي إلى خلاف عالمي بين معسكري الشرق والغرب؛ مما ينذر بمواجهة لا يعرف أحد كيف سوف تنتهي.
وفي تحليلات متعددة طالعتها “سبق”؛ فإن الأخطر ليست الحرب فقط؛ إنما وتيرة التصعيد السريعة للغاية، والعوامل المحفزة التي قد لا تشتعل لكنها تساعد على الاشتعال، وتقودها قوى عالمية تدعم التجاذبات الإقليمية في محيط أوكرانيا وروسيا.
حلفاء الناتو
تتعدد العوامل التي قد تؤدي إلى تصعيد المواجهة والتي تتمثل في تحركات أعضاء حلف شمال الأطلسي والدول الحليفة منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا؛ وخاصة دول البلطيق (لاتفيا، وإستونيا، وليتوانيا) ومعهم بولندا، بالإضافة للدول التي تصبو للانضمام إلى “الناتو” مثل فنلندا والسويد.
وتشمل العواملُ التهديدَ بإقحام حلف الناتو في الحرب الدائرة، والتسليح غير المحدود للمقاومة والجيش الأوكرانيين، ومنع السفن الروسية من الملاحة، ومؤخرًا فتح باب التطوع أمام غير الأوكرانيين لمواجهة الجيش الروسي.
تهديد البند الرابع
استخدم رباعي الناتو (بولندا، ولاتفيا، وإستونيا، وليتوانيا)، البند الرابع من معاهدة الحلف، كورقة تهديد أمام موسكو؛ إذ ينص على التشاور فيما بينها، والوصول لقرار قد يقود إلى إجراء ضد روسيا على مستوى الأعضاء الثلاثين للمنظمة.
وربما هذا البند هو أهم ميزة تريد أوكرانيا الحصول عليها عبر الانضمام لحلف الناتو؛ وهذا ما أثار حفيظة الدب الروسي، ودفعه للخروج من الحدود وغزو الدولة الجارة.
ويمنح البند الرابع من معاهدة حلف شمال الأطلسي، أي دولة عضوة بالحلف تشعر بتعرضها للتهديد من قِبَل دولة أخرى أو منظمة إرهابية، الحق في التقدم بطلب لبدء التشاور الرسمي بين الأعضاء الثلاثين للحلف؛ لتحديد ما إذا كان التهديد موجودًا وكيفية مواجهته، مع التوصل إلى قرارات بالإجماع.
رباعي الناتو استبق الحرب أيضًا، وأقدم على خطوة استفزت الجانب الروسي؛ إذ منح كييف، في يناير الماضي، صواريخ مضادة للدبابات وللطائرات، في إجراء قال خبراء إنه يزيد التوتر بين روسيا والغرب.
وتمثل تلك الدول ظهيرًا استراتيجيًّا مهمًّا لأوكرانيا في الحرب الدائرة؛ فمن ناحية تستوعب اللاجئين، وتُمِدها بالسلاح من ناحية أخرى، وربما أيضًا بالمقاتلين قريبًا، بعدما دعا الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، إلى فتح باب تطوع الأجانب من خارج بلاده لمحاربة الجيش الروسي الذي يقوض المدن الأوكرانية.
وقد تُمثل تحركات ثلاثي البلطيق ومعهم بولندا، عوامل استفزاز قوية تدفع موسكو لإجراءات عسكرية، تجعلها في مواجهة مباشرة مع الناتو؛ لن يتوقع أحد إلى أين ستصل نتائجها.
باب التطوع “البولندي”
أقدمت وارسو على خطوة غير مسبوقة، استجابة لدعوة “زيلينسكي” بفتح باب تطوع الأجانب للقتال أمام الروس، إذ يناقش البرلمان البولندي، إمكانية السماح لمواطنيه بالتطوع للدفاع عن أوكرانيا ضمن ما يسمى “فيلق الدفاع الإقليمي”.
تلك الخطوة، إن صدّق البرلمان على القرار، تَكمن في أنها تأتي بدعم رسمي من الدولة البولندية؛ مما يعد بمثابة إعلان حرب غير مباشر؛ وهو ما يعني أن بولندا ستفتح حدودها وتسمح بمرور مقاتلين مسلحين يستهدفون الجنود الروس.
ولعل تلك خطوة يصعب على موسكو تجاهلها، وسط الضغط المتزايد عليها من كل الدول الغربية؛ مما قد يدفعها لتحرك عسكري يجعلها في مواجهة مع الناتو، ينذر بحرب عالمية جديدة.
فنلندا تتحدى روسيا
في 25 فبراير، أي ثاني أيام الحرب، أطلقت الخارجية الروسية تحذيرًا لكل من فنلندا والسويد، من محاولة الانضمام لحلف الناتو. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا: إن الانضمام المحتمل للسويد وفنلندا سيستدعي ردًّا من روسيا.
وأكدت المتحدثة الروسية أيضًا أن هذا الرد قد يكون عسكريًّا، بقولها: “يبدو أن انضمام فنلندا والسويد إلى الناتو، وهو في الأساس كتلة عسكرية، سيكون له عواقب عسكرية وسياسية خطيرة تتطلب من بلدنا اتخاذ خطوات مضادة”.
وجاء الرد الفنلندي من رئيسة الوزراء، سانا مارين، التي أعلنت في اجتماع برلماني، أن بلادها تستعد لطلب التقدم للحصول على عضوية الناتو إذا أثيرت مسألة أمنها القومي.
وما بين هذا وذاك يثير التحرك الفنلندي، سؤالًا مهمًّا ألا وهو: هل تنفذ موسكو تهديدها وتتخذ إجراءً عسكريًّا؛ في خطوة قد تُوسع نطاق الحرب؟.. الأيام المقبلة كفيلة بتوضيح ذلك، وإزاحة الستار عن تطورات واحدة من أعقد وأسوأ الأزمات في عالم الألفية الجديدة.
