نَشهد في الآونة الأخيرة بروز شخصيات أدبية سعودية تحتذي نهجاً قويماً وترتدي حلّةً أدبية مميزة تتجلى من قوّة مؤلفاتهم وسماكة أحرفهم، وفي ذلك ما شُوهد في الأعوام الماضية، وُيبدى كصراعٍ ثوري، ما بين مُكتسحي الساحات، ومتسّلقي “الأدب” وأولئك الذين ترسخت ألقابهم بكل جدارة واستحقاق في عالم التأليف والنشر والتوزيع، واتصل ذلك اتصالاً تأثيلياً في الساحات الفنية والثقافية، حيثُ في فترة من الفترات؛ شُوهدت نسبةٌ مهولة ممن لا ينتمون إلى الأدب انتماء فعلياً قد أقحموا ذواتهم به إقحاماً مغلوطاً، إلى جانب عدم تزحزحهم، وتقّعرهم في الدرك الأسفل من السفسطة الأدبية.
وقد كنت أُسمي مؤلفاتهم “مؤلفات الدخلاء” لما تخلو به من القيم الفكرية وتجلّة الأثر المعنوي.
حيثُ الكثير من الأداء الكتابي المجوّف، ومزاولة الكتابة لمجرد إتقان مبدئي لها، فما إن يكتب أحدهم خاطرةً، فلا ينكفّ عن نشرها في كل مكان، حتى وإن تجرّدت من المبادئ، والمكاسب الفكرية الثقافية، واكتظّت بالأخطاء اللغوية والإملائية
لا تنتهي المفارقة عند هذا الحد، فلا تثريب إلا على من ارتضى وجودهم.
وكان من شظايا ذلك السِرب، أن مسّ ذلك الثقافة الأدبية وفكرة تأليف الكتب النافعة والقيّمة، وساهم في ضمور عنفوان الأدب وخلَط الحابل بالنابل، حتى أنه أصبح الكثير يرى ابتياع كتابٍ عربي عرضاً من المخاطرة، لما بهِ من قيمة مادية دون قيمة معنوية.
اما الآن، فإننا نُبصر بذلك الفرق الملحوظ، وإثبات الكثير من الأسماء القوية التي غَرفت من بحار الأدب أجلّه وأعذبه، واعتبرت من تجاربٍ سبقتها، وأدركت ماهية نسجه، وعِظم حرفه، وتضاحل الإفلاس الثقافي، حيثُ تجلى مضمونها، فإن لم يكن كـ كُل، فإنه كـ جزء، واحتل ذلك من التيارات الفكرية أرسخها وأصّحها، وغدت ميداناً يكاد أن يخلو من العلِل الثقافية، فضلاً عن القضاء على آفات التأليف وإصدار الكتب، والمقصود بالآفات هُنا؛ جماعة التبعية، الذين يرُكزون على الشكليات ويُهملون المحتوى.
وإن كان هناك من يقدس الثقافة الأجنبية، فإن ما يرفض فكرته جملةً وتفصيلاً هو تّغير مجتمع الأدب العربي وخصوصاً “السعودي” إلى الأفضل، وازدهار صنيعه، وتنامي إنجازه؛ وتصّدره للقمم البواسق من خلال ذويه الذين أجادوا خَوضه.
فليست الساحة الأدبية هي من تشكّل الكتاب، وليس الكتاب هم من يشكّلون الساحة، في واقع الأمر، لكلٍ منهما بصمةُ تأثير على جبين الآخر، فيُضفي الكتّاب على الساحة لمساتهم الأدبية الجمالية بكل احترافية.
وتُضفي الساحة على مستحقيها زاداً فكرياً وأدبياً، وغذاءً محفوظاً لا يُمكن أن يتلاشى بفعل دخيل.
ومن تلك البدائع الأدبية ما تفوّق على نقيضه، وفي ظل كل تلك الكركبة والتقلبات، ينتصر الأدب أخيراً وينتصر الأدباء الذين نجحوا في وصف الساحة الأدبية السعودية وصفاً بهياً.
أي أولئك الذين ارتادوا عنصر الإثارة والجاذبية، حيثُ الآن بات بوسعنا أن نجيب على من يطرحون سؤال : “الأدب السعودي، إلى أين” ؟
ونقول بكل ثقة :
نحو الأدب الفريد، وتعزيز المعاني والجوانب التذوقية الأدبية.
نحو أدب يرتقي بفكر الفرد والمجتمع، ويصبّ في مصلحة المواطن ووطنه، نحو ازدهار واضح للعيَان، ورؤية تشاركية هادفة ترنو لتوسع الآفاق المعرفية والإدراكية، نحو تحوير الأفكار وتحويل سلبيّها إلى إيجابي، حيثُ الدين والأخلاقيات وتبادل المنافع.
هذا ما نتطّلع إليه ونرقب حدوثه بحول الله، في مجتمع بات مهتماً بالثقافة أكثر من السابق، وبات مستدركاً أدبياً وشغوفاً في البرامج الأدبية ويسعى لها بشغفٍ وعزيمة، نبتغي سيادة الأجواء الثقافية والعلو بأبجديات الأدب، وأن نخلق مجتمعاً أدبياً من الدرجةِ الأولى.