الوقت من الموارد الأساسية في الحياة، يتميز بأنه متاح لجميع البشر بمقدار ثابت خلال اليوم، فكل إنسان لديه (24 ساعة) يومياً ما دام على قيد الحياة. وبالرغم من ذلك يتفاوت الأفراد في استثمار هذا المورد الثمين؛ فنجد من يحقق من المنجزات كما لو كان يومه (30 ساعة)، ونجد من يكدح طوال اليوم عاجزاً عن تحقيق أي إنجاز يستحق الذكر، وهكذا تمضي الحياة ويمضي الوقت، والأقلام تسجل، والتاريخ يحفظ، وكلٌ يتخطف من أوقاته ما يستطيع لتحقيق ما يصبوا إليه، إلى أن يواجه السؤال الموعود: “وعن عمره فيم أفناه؟”.
وفي كل الأزمان يتساءل الناس: ما السر الذي قاد العظماء إلى تسطير أسمائهم في سجلات التاريخ؟ ما الذي جعل العديد من علماء المسلمين الأوائل يشتهرون بكثرة مؤلفاتهم في مختلف العلوم مع قصر أعمار البعض منهم؟ ما الذي اختص به بعض القادة والوزراء المعاصرين ليحققوا النجاحات المهنية والاجتماعية مع كثرة مهامهم ومسؤولياتهم؟ وما الذي فعله الناجحون وجعلهم يتخطون أقرانهم ويحققون الأهداف تلو الأهداف؟
إن أحد الأسرار الخفية وراء تلك النجاحات (هو إتقان مهارة إدارة الوقت)، ومن أساسيات هذه المهارة: قدرة الفرد على ترتيب الأولويات، وتصنيفها في مصفوفة المهم والعاجل. وكذلك مهارة استثمار وقت الفراغ. وبصرف النظر عن اختلاف ظروف الحياة وتكاليفها من شخص إلى آخر؛ فإن إدارة الوقت تعمل على استثمار أقصى ما يمكن من لحظات العمر لتحقيق النجاح في الحياة.
وعلى النقيض من ذلك؛ يفشل الأفراد الذين يفتقدون القدرة على تنظيم أوقاتهم، فلا يجدون الوقت الكافي للإنجاز، وبالتالي لا يحققون النجاح؛ لأنهم يملؤون اللحظات بأعمال غير هادفة، ويقضون الساعات في أنشطة لا تفيد. فليحاسب الإنسان نفسه، وليقيّم ذاته، ويتفقد أوقاته، ويعيد النظر في أولوياته مرة بعد مرة، فلا نجاح يرجى دون الاستثمار الأمثل للوقت الذي أعلى الإسلام من مكانته، وحث على استثماره في الأعمال الصالحة، وحذر من التفريط فيه، فأنزل الله عز وجل فيه سورة، قال تعالى: “وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ” و(العصر) الذي أقسم الله تعالى به لأهميته هو الزمان الذي تقع فيه أعمال العبد، كما ورد في بعض التفاسير.
ولعل العناية بالوقت والحرص على استثماره بحسن الإدارة والتخطيط تجعل البركة تحل في أجزائه، حيث تشير معطيات الواقع الذي نعيشه إلى أن: تنظيم الوقت يوفر المزيد من الوقت، بينما يزدحم ويضيق الوقت على من لا يحسن إدارته وتنظيمه، فيردد عند كل مهمة تواجهه “ما عندي وقت” وهي العبارة التي لا يعرفها الناجحون، ولا يرددونها، وإنما يعرفون أهمية كل ثانية في حياتهم، وكأنهم يرددون قول أحمد شوقي:
دَقّاتُ قَلبِ المَرءِ قائِلَةٌ لَهُ إِنَّ الحَياةَ دَقائِقٌ وَثَواني
فَاِرفَع لِنَفسِكَ بَعدَ مَوتِكَ ذِكرَها فَالذِكرُ لِلإِنسانِ عُمرٌ ثاني
المشاهدات : 565
التعليقات: 0