تغنى به كثير من الشعراء، وهام بمنظر اكتماله معظم العشاق، وتمنى الوصول له ذوو الخيال المطلق، فعند الكثير ارتبط بالجمال، وعند البعض، ارتبط بالعشق والهيام، قابع في مكانه، و ينظر له المحبون على اختلاف أماكنهم وبُعدها، و كأنهم جالسون حوله، و بالقرب منه..
ارتبط عند آخرين باجتماع شهري يأنسون فيه بالضوء المكتمل وحكايا السمر كل شهر، وتدور الأيام ويظهر القمر بدرًا مكتملًا، لكنه في هذه اللحظة لم يجد أولئك الجلوس ولا أحاديثهم.
يا ترى :
مالذي تغير واختلف؟
ألم يرَ أحدٌ منهم القمر واكتماله؟
ألم يعد يدهشهم ذلك الضوء الذي يستمدون منه حكايات السمر؟!
سبحان الذي يقلب الدنيا بأهلها، في السابق
كان القمر يذكرهم بأولئك الأحباب والأتراب، وحتى لو كان هناك بعض الخلاف، يأتي القمر ليكون عذرًا قويًا لتناسي ذلك الخلاف، ويبدأ أصحاب القمر بالتواصل وتحديد مكان الاجتماع، ومن شدة ارتباط القمر باجتماعهم مع أقاربهم وأحبابهم، نجد أطفالهم يذكرونهم قبل اكتماله بليلة، أو ليلتين، وتمر الأيام، وتتلوها الشهور، ويعود القمر ويعاود، فلا يجد هؤلاء، وكأنه هو من كان يأنس بهم..!
لماذا يا ترى؟؟، و مالذي جرى؟؟
هل اكتفى كل منهم بما لديه، أم فُقد حامل لواء ذلك الاجتماع، ولم يعد هناك أحد؟!
أيها القمر :
لا تأس، مازلت أنت ذلك الشيء المبهج، رغم افتراق من حولك من الأحبة، ومازلت المتصدر من بين الكواكب في جمالك وروعة منظرك..
صاحب الأمنية السامية ربطها بك،
وصاحب الحب النقي، جاء متأملًا فيك،
و هو يقول لصاحبه :
وجدت دربًا بليل البعد يجمعنا
ماكنت أقطع أمالي بلقياك
هلا نظرت لبدر بت أنظره
كي تلتقي عنده عيني وعيناك
وخلاف هذا وذاك، جاء من يتأمل في القمر؛ ليدرك عظمة الله في صنعه، رغم ضوئه المستعار…
جاء ليقول :
وبدا صديق العاشقين بوجهه..
في هجعة الليل الطويل الأليلِ..
مهلًا أيا قمرالزمان فلست ذا ..
عشقٍ وحسبي منك كل تأملِ..
أيها المحبون للقمر :
يتلاشى القمر محاقًا، ويختفي من السماء، لكننا حتمًا نجده في مكان آخر..
ونجد جماله في أناس يبثون الجمال المادي و المعنوي، بعيدًا عن أي زيف أو تصنع..
ويبقى السؤال :
هل القمر ذكرى؟ أم تفكّر؟
ذُكر القمر في القرآن في خمس و عشرين آية، ألا يدعو ذلك لمزيد من التأمل، والتفكر؟
قال الله عزَّ وجلَّ :
{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}
وقال :
{وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ }
ذكر ابن كثير في تفسيره :
( قال جلَّ وعلا: { والقمر قدرناه منازل} أي جعلناه يسير سيراً آخر، يستدل به على مضي الشهور، كما أن الشمس يعرف بها الليل والنهار، كما قال عزَّ وجلَّ: { يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج} . وقال تعالى: { هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نوراً وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب} الآية، وقال تبارك وتعالى: { وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلاً من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه تفصيلاً} ، فجعل الشمس لها ضوء يخصها، والقمر له نور يخصه، وفاوت بين سير هذه وهذا، فالشمس تطلع كل يوم وتغرب في آخره على ضوء واحد، ولكن تنتقل في مطالعها ومغاربها صيفاً وشتاء، يطول بسبب ذلك النهار ويقصر الليل، ثم يطول الليل ويقصر النهار، وجعل سلطانها بالنهار فهي كوكب نهاري، وأما القمر فقدره منازل يطلع في أول ليلة من الشهر ضيئلاً قليل النور، ثم يزداد نوراً في الليلة الثانية ويرتفع منزلة، ثم كلما ارتفع ازداد ضياء، وإن كان مقتسباً من الشمس، حتى يتكامل نوره في الليلة الرابعة عشرة، ثم يشرع في النقص إلى آخر الشهر، حتى يصير { كالعرجون القديم} قال ابن عباس: وهو أصل العذق، وقال مجاهد { العرجون القديم} : أي العذق اليابس، يعني ابن عباس أصل العنقود من الرطب إذا عتق ويبس وانحنى، ثم بعد هذا يبديه اللّه تعالى جديداً في أول الشهر الآخر)
أيها الفضلاء :
كم هو رائع أن يكون القمر ذكرى جميلة، ومعها تفكر في آيات الله؛ تزيد من إيمان المرء، وتدفعه لتأمل بديع صنع الله..
أيها القراء :
القمر، واكتماله له علاقة بالإنجاز و السعادة لذا؛ فهو رفيق الطموحين، وما أجمل ما أبدع الشاعر حين قال :
أفض عليّ بنورٍ أيها القمرُ
واترك بثغريَ سعداً مابه كدرُ
وارسم سعادةَ ليلٍ قد تملّكني
فيه الجمالُ وجاءت حوله الصورُ
كم كنتُ للمجدِ أسعى لا يُسابقني
إلا الطموحُ وقلبٌ بحره خطرُ
فعشتُ أنظرُ نفسي في مطامحها
فإنها إن رأت مابي ستزدهرُ
وتبذل الجهدَ في علمٍ يُبلغُها
مجداً له ينحني التاريخُ والأثرُ