حينما تُختَتم مسيرة تمتد قرابة أربعة عقود في ميدان التعليم، فإن الحديث لا يكون عن سنواتٍ عابرة، بل عن تاريخٍ من البذل، وعن أثرٍ إنساني ومهني ترك بصمته في القلوب قبل الملفات، وفي النفوس قبل المكاتب؛ هكذا ودعنا الأخ العزيز عبدالله بن فراج بن خالد الحنابجة، يوم الأحد غرة شهر رجب من عام 1447هـ، الذي ترجل عن ميدان العمل الرسمي بعد أن بلغ السن النظامي للتقاعد، ليبقى أثره شاهداً على رحلة استثنائية من العطاء.
لقد كانت مسيرة الأخ عبدالله في التعليم الإداري، وخاصة في إدارة التعليم بمحافظة وادي الدواسر، نموذجاً يُحتذى في الالتزام والانضباط، قبل أن يواصل أداء رسالته في مدرسة النويعمة الابتدائية حتى لحظة التقاعد؛ أربعون عاماً عاشها في بلاط التعليم فارساً لا يترجل، وصوتاً لا يخبو، ورجلًا للمهمات الصعبة حين تعجز الحلول السهلة.
لم يكن عبدالله مجرد موظف يؤدي واجبه الوظيفي، بل كان مدرسةً في التفاني في العمل، والنزاهة، والاحترافية، وقامةً في القيادة الهادئة التي لا تبحث عن الأضواء، وإنما تصنع الإنجاز بثقة ووعي؛ تميز بقدرته العالية على التكيف والمرونة، وبروحه التعاونية التي جعلته قريباً من زملائه، محبوباً بينهم، وشريكاً حقيقياً في النجاح؛ أما المراجعون فكانوا يجدون فيه الإنسان قبل المسؤول، والكلمة الطيبة قبل الإجراء، فزرع بذلك قدراً كبيراً من المحبة والاحترام في كل من تعامل معه.
كان شغوفاً بعمله، مخلصاً لرسالته، مؤمناً بأن العمل في التعليم شرف ومسؤولية، لا مجرد وظيفة؛ جمع بين الإبداع والتفكير النقدي، والاستقلالية في اتخاذ القرار، والعمل الجماعي الذي يرى فيه قوة المؤسسة، فاستحق أن يُشار إليه بالبنان، وأن يُشهد له بالكفاءة وحسن السيرة.
وجاءت كلمته الوداعية عبر أحد التطبيقات صادقةً نابعة من قلبٍ ممتن، عاكساً تواضعه وعمق إيمانه، حين نسب الفضل لله أولاً، ثم لمن شاركوه المسيرة، مؤكداً أن النجاح لا يُصنع فردياً، بل هو ثمرة تعاون ومحبة وصدق نية؛ وهي رسالة تختصر شخصيته، وتؤكد أن ما زرعه من قيم سيبقى أثره حاضراً في الذاكرة.
وفي هذه اللحظة التي نودّعه فيها وظيفياً، فإننا لا نودّع الإنسان ولا الأثر، بل نفتح له باب مرحلة جديدة من الحياة، نسأل الله أن يجعل قادم أيامه خيراً من ماضيها، وأن يرزقه حياةً هانئة ملؤها الصحة والطمأنينة، وأن يجزيه عن كل ما قدمه للتعليم وأهله خير الجزاء، وأن يجعل سنوات عطائه في موازين حسناته.
شكرًا عبدالله الحنابجة… فقد كنت مثالاً يُحتذى، ورجلاً استثنائياً في زمن يحتاج إلى أمثالك، وستبقى سيرتك الطيبة حديث المجالس وذكرى عطرة في قلوب كل من عرفك وعمل معك.
المشاهدات : 22
التعليقات: 0
