كم من غريق تمسك بقشة، وكم من ممتلئ وهو فارغ..
المريض يسمع كل خبر عن العلاج، حتى لو كان الخبر من غير الطبيب.
وصاحب المشكلة يتطلع لكل حل، حتى لو كان ذلك لا يناسب قضيته.
من اعتاد البوح قد يبوح لشخص غير مناسب.
البعض قد يبحث عمَّا يحتاج في غير مظانه، و هذا ما يسبب تصعيد الموضوع ووصوله لدرجة المشكلة..
قفوا معي عند قوله تعالى :
{ وَ أَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ }
ذكر الشيخ صالح الفوزان :
( الآية الكريمة فيها ثناء من الله سبحانه على المؤمنين المتصفين بصفاتٍ منها: أنهم يتشاورون بينهم في الأمور المهمة، التي يخفى فيها وجه الصواب، و ذلك من أجل التعاون على الوصول إلى ما فيه الخير العام والخاص، ولما في ذلك من تآلف القلوب واجتماع الكلمة، و لما في ذلك من التواضع ولين الجانب للمؤمنين. قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَ لَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَ شَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} )
أيها الكرام :
أين نحن من كتاب الله؟!
وأين نحن من هدى نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم؟!
ليس إشكالًا أن نستشير الثقاة وأصحاب العلم و التجربة، لكن الإشكالية أن نلجأ لمن لا علم لهم و لا دين.
ثم هناك أمر مهم أذكر نفسي و إياكم به:
إنه التوكل على الله، والاعتماد عليه، وتعويد النفس على ذلك في كل حالاتها، والدعاء دومًا بالتوفيق و السداد، لأنفسنا و الأقربين والمسلمين، ولنتذكر دومًا أن الله هو خالقنا والمتصرف بجميع شؤوننا.
أيها الفضلاء :
البعد عن الله يجعلكم لقمة سائغة في فم من لا يخاف الله، ويسهل الطريق نحوكم لكل مخادع.
دع القشة و لا تكن غريقًا :
قد نتعلق بأمر ما، ولا نعلم أن في تركه خيرًا لنا.
قال تعالى :
{ وَ عَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَ عَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ }
الواقع يقول :
ما (كل) ما يتمنى المرء يدركه
تجري الرياح بما لا تشتهي السفن.
القناعة كنز حين نعلم و ندرك أن الأقدار بيد الله، كم تمنينا من حاجات، وبذلنا جهدًا من أجل أن نحصل عليها، ويفاجئنا القدر أنها ليست لنا، والذي قد يغيب عن أذهاننا أن من خلقنا سبحانه، هو أعلم بما يناسبنا، وما لا يناسبنا، فهل أدركنا ذلك؟؟
كثيرة هي الأماني، وهذه طبيعة النفس البشرية تتمنى وتطلب المزيد، لكن:
وما نيل المطالب بالتمني
ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
نحن البشر مأمورون بفعل الأسباب،
ولا حرج في تمني كل ما نطمح إليه، ولكن، لابد لنا أن نقنع ذواتنا داخليًا بأن ما لم يحصل فهو بقدر الله.
لا تعارض أبدًا بين التمني و فعل الأسباب، وبين القناعة في عدم حصول الأمر، مهما بلغت درجة تمنينا له ( هنا تكون القناعة الحقة)
ما أروع تلك النفوس الراضية بالقضاء والقدر، وما أروعها حينما تفتح صفحة جديدة لأمل جديد.
أيها القارئ الكريم :
صبرك على ما تطيق عظيم،
و صبرك على ما لا تطيق أعظم..
( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَاب )