في المجتمعات الصغيرة والمغلقة التي يكثر فيها العاطلون وكبار السن، وتتميز الحياة بالرتابة وتوالي الأحداث المتكرر، يكثر الاهتمام بالآخرين وتداول الحديث حولهم، بل يكاد الحديث عن حياة المحيطين هو مرتكز اهتمام الناس ومحور حياتهم واهتمامهم، فلا شيء يشغل الفرد في هذه المجتمعات بالغالب أكثر من الحديث عن حياة الناس المحيطة بهم، والخوض في تفاصيل حياتهم، وهذا الأمر يكاد يكون أمرا طبيعيا في كل المجتمعات البشرية على مر العصور، وعلى اختلاف خلفياتها الاجتماعية والثقافية.
لكن مثل هذا الاهتمام بالآخرين والدخول في تفاصيل حياتهم، يعتبر أمرا استثنائيا وقليلا في ثقافة وطبيعة المجتمعات الكبيرة المعاصرة، التي ينشغل الفرد فيها بحياته الخاصة، إلى درجة لا يجد معها الوقت للتوقف أو الاهتمام بحياة الآخرين.
مع ذلك، ومع كون مجتمعاتنا العربية تمثل في ظاهرها وفي طرائق معيشتها اليومية شمل المجتمعات الكبيرة والمعقدة، إلا أنها لا تزال بعقلية وثقافة وطريقة تفكير المجتمعات الصغيرة والخاملة، ولذلك فإنه من الطبيعي أن نجد غالبية الأشخاص في مجتمعنا يهتم واحدهم وينشغل ويراقب الآخرين، أكثر مما يهتم بنفسه أو يراقبها، ولذلك فإنه يعرف الآخرين جيدا، لكنه لا يعرف نفسه.
وأتصور أن تركيبة المكانة الاجتماعية الهرمية، وحدة الصراع عليها في المجتمعات الصغيرة والبسيطة، هي ما يتسبب في حرب الطواحين الوهمية التي يعيشها أفراد مجتمعاتنا، هذا الصراع الذي تم تغذيته من خلال التربية وشبكة العلاقات المركبة التي نعيش في ظلها، والتي لا تزال تمارس ثقافتها البدائية التي يفني فيها الفرد حياته بمراقبة الآخرين، وتتبع تفاصيل حياتهم، متجاهلا ذاته التي تذوب بشكل لاواعي في الآخرين، الذين يستهلكونها دون شعور أو إدراك.
نعم نحن نمارس شكلا من أشكال ثقافة المجتمعات البدائية والخاملة برغم كل مظاهر الحضارة والتقدم التي نحيط أنفسنا بها.
المشاهدات : 1400
التعليقات: 0