لعل الإعلام هو أكثر المجالات تحولا وتغيرا خلال العقود الأخيرة، بسبب التطور التقني الكبير الذي شهدته تقنيات الإعلام ووسائل الاتصال، بدءا من ظهور البث الفضائي في أواخر القرن العشرين، وانتهاء بشبكة الإنترنت وتقنياتها المتسارعة والمتجددة في هذا القرن.
هذا التحول على مستوى الأدوات التقنية قابله تحول موازٍ –برأيي- على مستوى المضامين التي تطرحها وسائل الإعلام، ففي ظل فضاء إعلامي مفتوح ودخول كم كبير من الممارسين الإعلاميين في الوسيلة الإعلامية الواحدة، حدثت منافسة كبيرة وشرسة للوصول إلى المتلقي والحصول على متابعته واهتمامه، هذا التنافس المفتوح والشرس ما بين وسائل الإعلام ساهم في تغيير محتواها الإعلامي وبشكل كبير، فتحولت بشكل أو بآخر من كونها مصدرا مهما من مصادر الثقافة والوعي إلى مصدر من مصادر الإثارة، التي ترتكز على الغرائبية والأسبقية فيما تطرحه لمتابعيها أكثر من ارتكازها على قيمة المحتوى المعرفية والاجتماعية.
وأصبحت وسائل الإعلام تهتم بالإثارة ولفت الانتباه وجذب أضواء الشهرة، أكثر من اهتمامها بقيمة وموضوعية ما يتم طرحه من خلالها، ولذلك تجدها تجتهد في طرح المواضيع الساخنة وطرقها بدون أي تحرٍ علمي أو موضوعي، يؤكد أو يعزز وجهة النظر التي يتم تقديمها للمتلقي، لكونها مشغولة بالأساس بالمتابع أكثر من انشغالها بمضامين القضية التي يتم طرحها.
حتى على مستوى البرامج الحوارية في القنوات أو مقالات الرأي في الصحف، فإنها تحولت بشكل كبير في مضامينها، فلم نعد نشاهد برامج حوارية مع مثقفين مهمين، كما في السابق، ولم نعد نقرأ مقالات رأي ذات محتويات معرفية أو فكرية عميقة، وإنما مقالات سريعة التناول والنسيان كما الوجبات السريعة.
الأسوأ أن وسائل الإعلام الحديثة أصبحت تحاصرنا بالأخبار المثيرة والكئيبة وتتخمنا بالمعلومات المتناقضة، التي اقتلعت راحتنا وحركت الكثير من ثوابتنا المعيشية وأفقدتنا الثقة في بعض قناعتنا وكسرت حالة السلام التي نعيشها مع العالم ومع أنفسنا، بالشكل الذي أصبح ينعكس سلبا على صحتنا النفسية والعقلية والجسدية.
فهل وسائل الإعلام قد تحولت بالفعل من نوافذ نطل بها على العالم الخارجي، إلى نوافذ يطل بها هذا العالم على أرواحنا، ليقتلع حالة التصالح التي نعيشها معها؟ ربما.