وقفت تنظر إليه وهو يجمع أوراقه وعطوره وملابسه وكل حاجياته المتناثرةُ في حجرتها ؛ لم يشعر بها فالجمادات التي كان يجمعها وحريصاً عليها ، صرفت انتباهه عن الشعور بوجودها .
أقتربت منه وأمسكت بكتفه وقالت وصوتها يسكنه النعاس، هل حقاً سترحل ؟ التفت إليها دون أن ينظر لوجهها ، وهز رأسه إيجاباً عاد ليضع أخر مقتنياته من الجمادات وأغلق حقيبته على ما جمع .
وخطى خطوات نحو الباب.
عادت تلك المسكونة بالأشباح والغارقةُ بالأوهام ، عادت وأمسكت بكتفه ثم قالت : هل تمنحني وقتاً من بين ازدحام وقتك لأقول شيئاً قبل أن ترحل؟
هز رأسه إيجاباً دون أن يلتفت لها !
أستدارت وأخذت تنظر للسحاب المترامي في السماء من نافذتها الزجاجية التي تحتل مساحة الجدار بأكمله ؛ وبعد أن أجترت نفساً عميقاً من تحت ركام الأعوام قالت :
أود أن تعرف شيئاً مهمًا قبل أن تغيب وتختفي ، أريدُ أن أقول لك شيئاً لم تفهمه كل هذه الأعوام ولم تسأل عنه ، أريد أن أقول لك بأني أحبك .
لحظات صمت ربما رسمتها الأعوام وبروزتها الأيام لم تسمع رداً ، أو تعقيبًا، أستدارت لتنظر إليه .
يا لسخرية الوقت ! لم يكن هنا أخذت تتلفت يميناً ويساراً تبحث عنه ، فلم تجد إلا بقايا لم يكن حريصاً على أخذها ، قارورة عطر فارغة ، وقلمه الأزرق المكسور ، وقصاصات من الورق كتب في واحدة منها رقم لإنسان مات من أعوام ، وأخرى بها عنوان لم يُعثر عليه بعد ، ولن يعثر ! والأخيرة كانت فاتورة شراء لم تدفع بعد !
ترى هل سمع ما قالت؟
هل منحها الوقت وقت لتوصل ما أرادت قوله ؟
أم أن الوقت لا يمنح أحداً من وقته ؟ فهو دائم الهرولة لا يأخذ نفسًا ولا يسمح لأحد أن يتنفس !
هل أوصل له الوقت ما قالت ؟
أم هو الوقت لا يمنح لأحدٍ وقتًا .
ولا يصل بالوقت !
ربما !؟
المشاهدات : 1755
التعليقات: 0