الكاتبة : الجوهرة جربوع القفاري
آنين وأهات، بكاء وزفرات ، لا شيئ هنا إلا أجسادًا منهكة وقلوبًا متعبة .وهي تجلس على مقعد خشبي عتيق تنظر لذاك الجبل الذي خط تاريخ عصرٍ ما , أشتعل قرص الشمس فأشعل السحاب وأفزع الطيور. رويداً رويدًا ينسحب الضياء من المكان وتنطفيء جمرة الرحيل .
بدأ الظلام يلقي بجسدة فتختفي خلف عتمته الجبال والسحب، ويظل التاريخ يُحاول أن يلتقط من عتبات السنين شيئًا يخطه عن الراحلين .
تقف، لا شيئ فيها إلا الأنين وبقايا من حنين، أيقظها من غفوتها التي سرقت منها كل أعوامها وما بقي من أيامها , أيقظها صوت القطار الآت من مدينة مجهولة ، ليحمل هذه الأجساد المغتربة عن الروح، والعقل، والوجود .
جاء القطار من مكان بعيد؛ ليحملهم إلى مكان أبعد ويرمي بهم هناك خارج حدود اللا وعي ليسكنوا في متاهات اللا وجود ويتيهوا في ممرات الضياع. ويقتاتوا من فتات الأحلام ومياه الأمطار . تفتح الأبواب أمامهم بعد أن توقف قطار التائهين.
ترفع قدمها النازفة لتدخل من بوابته ألا أنها تعثرت وكادت أن تسقط بسبب اصطدام أحد الراحلين بها فهم هنا جميعن ينتظرون القطار ويستعجلون الفرار , لكن كف غضة أمسكت بساعدها لتمنع جسدها النحيل أن يرتطم بصلابة الأرض وقوتها. وقفت من جديد وأمسكت بالعمود الفولاذي عن يمينها ألتفتت لتشكر من أسعفها وساعدها لتقف باتزان لكنها لم تجد أحداً.
أخذت تدور ببصرها في المكان تبحث عن مسعفها ألا أنها لم تجد سوى أجسادًا تتسابق لتجد مكانًا داخل القطار . فهل كان ممن غادر القطار عائدًا إلى المدن المجهولة ؟ أم هو راحل معها إلى مدن التيه ؟
تسير في الممرات المعفرة بأثار الأقدام طين , غبار , أصباغ, تبحث عن مقعد لا يكون فيه أحد ولا يكون بقربها أحد فهي تحمل كثير من الأمتعه حقائب وصناديق أتعبها المسير فحملها ثقيل .
إلا أن الحظ أسعفها، فهذا مقعد خالٍ وليس حوله أي أثار لأقدام ، ربما لم يرحل منه أحد أو لم يعد صاحبه بعد . الجميع يمر من قربه ولا يجرؤ أحد أن يجلس عليه ولا بقربه، وضعت حقائبها وصناديقها وجلست بالمقعد المقابل للكرسي الفارغ أخذت تتفحصه بعينيها الخاليتين من كل المعان ثم أبتسمت أبتسامة منكسر .
لقد كان هنا فرغم أنه لم يترك أثراً لقدميه، أنما هناك قطرات من حبر قلمه على المقعد الفارغ .
كان هنا يوماُ قبل أن يصلها القطار .
أنتهت .
المشاهدات : 4455
التعليقات: 0