إن ذكر الله تعالى هو حياةٌ للقلوبِ؛ وغِذَاءٌ للروحِ؛ وطمأنينةٌ للنفسِ، قال تعالى: ﴿أَلَا بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ﴾ .
وذكر الله تعالى؛ هو وصية المصطفى ﷺ لمن كثرت عليه شرائع الإسلام؛ فقال له: «لا يزال لسانك رطبًا بذكر الله». ومن المعلومِ أن الإنسان إذا أحب شيئًا أكثر من ذكره؛ فإذا رأيته يكثر من ذكر الله تعالى؛ فإنّ ذلك دليلٌ على محبته لله عزَّ وجل؛ وتذوقه لحلاوةِ الإيمان؛ كما ثبت في «الصحيح» من حديث أنس بن مالك ــ رضي الله عنه ــ أنّ النّبي ﷺ قال: «ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان ــ وذكر منها ــ أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما».
قال الحسن البصري ــ رحمه الله ــ : «تفقدوا الحلاوة في ثلاثة أشياء: في الصلاة؛ وفي الذكر؛ وفي قراءةِ القران».
ولذا يجب على المسلم الحق؛ أن يغذي قلبه وروحه دائمًا بذكر الله تعالى ليكون من الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات.
فقوتُ الروحِ أرواحُ المعاني
وليس بأن طعمتَ ولا شربتا
▪️ فضل الذكر:
قال الله تعالى: ﴿ا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا﴾ وقال عزَّ وجل: ﴿وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ .
وثبت في «صحيح مسلم» من حديث أبي هريرة ــ رضي الله عنه ــ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ــ ﷺ ــ يَسِيرُ في طَرِيقِ مَكَّةَ فَمَرَّ عَلَى جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ جُمْدَانُ فَقَالَ: «سِيرُوا هَذَا جُمْدَانُ سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ». قَالُوا: وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ».
قال مجاهد ــ رحمه الله ــ: «لا يكون من الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات؛ حتى يذكر الله قائمًا وقاعدًا ومضطجعًا»؛ وقال ابن عباس ــ رضي الله عنه ــ: «والمراد يذكرون الله في أدبار الصلوات وغدوًا وعشيًا وفي المضاجع» وقد ثبت في «الصحيح» من حديث أَبِي مُوسَى – رضي الله عنه – قَالَ: قَالَ النّبي ﷺ: «مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لاَ يَذْكُرُ ربه، مَثَلُ الْحَيَّى وَالْمَيِّتِ».
وقال رجل للحسن البصري: يا أبا سعيد إني أشكو إليك قسوةٌ في قلبي؟ فقال له الحسن ــ رضي الله عنه ــ: «أذبها بذكر الله تعالى»؛ وقال بعض السّلف في قوله تعالى: ﴿اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ «هو أن يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر».
▪️فوائد الذكر:
إن مما لا شك فيه أن ذكر الله تعالى له فوائد عظيمة وجليلة منها:
أولًا: أن ذكر الله يطرد الشيطان: ويقمعه ويكون حرزًا للعبد من الشياطين لما ثبت في «الصحيح» من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه ــ قَالَ: وَكَّلَنِي رَسُولُ اللهِ ﷺ بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ فَأَتَانِي آتٍ فَجَعَلَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ: لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَقَصَّ الْحَدِيثَ فَقَالَ: إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ، لَنْ يَزَالَ مَعَكَ مِنَ اللهِ حَافِظٌ، وَلاَ يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ وَقَالَ النّبي ﷺ: «صَدَقَكَ وَهْوَ كَذُوبٌ ذَاكَ شَيْطَانٌ».
ثانيًا: أن من ذكر الله تعالى ذكره الله: وأي شيء أعظم من أن يذكرك الله عزَّ وجل؛ قال سبحانه: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾ وثبت في «صحيح مسلم» من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أنّ النّبي ﷺ قال: «يَقُولُ اللَّهُ عزَّ وجل أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِى بِي، وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي إِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِى وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلإٍ، ذَكَرْتُهُ فِي مَلإٍ هُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ مِنِّى شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَىَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِى أَتَيْتُهُ هَرْوَلَة» .
فمن أحب أن يذكره الله تعالى ويثني عليه في الملأ الأعلى؛ فليكثر من ذكر الله تعالى؛ وليذكره في ملأ من الناس مجتمعين على طاعته عزَّ وجل:
وأكثر ذكره في الأرض دأبا
لتذكر في السماء إذا ذكرتا
ونادِ إذا سجدت له إعترافاً بما ناداه ذا النــون ابن مــتا
ثالثًا: أن الذكر شفاء للقلب: فالقلوب تمرض ومرضها الغفلة وشفاؤها ودواؤها في ذكر الله تعالى: إذا مرضنا تداوينا بذكركمُ ونترك الذكر أحيانا فننتكسُ
رابعاُ: أن ذكر الله تعالى سبب في نزول السكينة: وغشيان الرحمة وحفوف الملائكة بالذاكر؛ كما ثبت في «الصحيح» من قصة أسيد بن حضير – رضي الله عنه – أنه كان يقرأ القرآن في الليل ويصلي؛ فجالت الفرس وكانت حوله، فنظر إلى السماء فإذا أمثال القناديل معلقة بين السماء والأرض؛ قال: فخشيت أن تطأ ابني يحيى وكان بقربها، فخفض صوته بالقراءة؛ فارتفعت هذه القناديل، فعاود القراءة فعادت هذه القناديل في الظهور، فلما أصبح غدا إلى النّبي ﷺ وأخبره بذلك، فقال له النّبي ﷺ: «تلك السكينة، تلك الملائكة تنزلت لقراءة القرآن ولو ظللت تقرأ إلى الصباح لأصبحت يراها الناس» فالسكينة تنزل عند قراءة القرآن، وعند ذكر الله تعالى، والسكينة مشتقة من السكون؛ وهو الهدوء والطمأنينة؛ ولذلك فإنّ الإنسان الذاكر لله عزَّ وجل يشعر دائما بالأنس والسعادة في قلبه.
خامسًا: أن كثرة الذكر أمان من النفاق: لأن المنافقين قليلُ الذكر لقوله عزَّ وجل: ﴿وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ .
▪️ آداب الذكر:
أولًا: يستحب لمن يذكر الله تعالى أن يكون على وضوء وطهارة: لما ثبت في «الصحيح» من حديث أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه – قال: لما فرغ النّبي ﷺ من حنين بعث أبا عامر على جيش إلى أو طاس وبعثني معه؛ فرمي أبو عامر في ركبته ثم مات؛ فرجعت ودخلت على النّبي ﷺ في بيته فأخبرته فدعا بماء فتوضأ ثم رفع يديه وقال: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِكَ أَبِي عَامِرٍ».
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – في «الفتح»: (ويستفاد منه استحباب التطهير عند إرادة الدعاء)، والدعاء من ذكر الله تعالى.
ثانيًا: التضرع والخشوع في الذكر: لقوله تعالى: ﴿وأذكر ربك في نفسك تضرعاً وخيفةً﴾ .
ثالثًا: استقبال القبلة: لأنها الجهة التي يتوجه بها العابدون لله سبحانه وتعالى والداعون له والمتعبدون له والمتقربون إليه.
رابعًا: البكاء عند ذكر الله تعالى: ولا أدل على ذلك من فعل النّبي ﷺ عندما طلب من عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – أن يقرأ عليه شيئًا من القرآن، فقال ابن مسعود: أقرأ عليك وعليك أنزل! فقال النّبي ﷺ: «إني أشتهي أن أسمعه من غيري»، قال ابن مسعود فقرأت عليه سورة النساء حتى إذا بلغت ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ شَهِيدًا﴾ .
قال لي: «كف أو أمسك فرأيت عينيه تذرفان».
خامسًا: خلو المكان الذي يذكر فيه سبحانه وتعالى من الصور والتماثيل: لما ثبت في «الصحيحين» من حديث أبي طلحة – رضي الله عنه – أنّ النّبي ﷺ قال: «لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب ولا صورة».
اللهم اجعلنا من الذاكرين لك كثيرًا والذاكرات؛ وأحيي قلوبنا بذكرك وطاعتك على الدوام؛ يا رب العالمين.