قرأت بيتين من الشعر لشاعر شاب ولكنه فيلسوف، تحدّث فيهما عن الحياة والموت حديثا يتفق مع آداب الإسلام رغم أنه لم يدرك بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنها فطرة الله التي فطر الناس عليها، وبعد قراءتهما قلتُ لنفسي وقالت لي، ثم تشعّبت بي المعاني وأدلّتها النقلية والواقعية.
عجيب أمر البشر مع تقلبات الأقدار وتعاقب الليل والنهار ، يعيش الكثير يومَهُ غافلا عن تقدير غدِه، ويمر به اليوم والغد وهو غافل عن حق ربِّه ومَن حولَه، وذاهل عن تهذيب نفسه وإصلاح عيوبِها.
والعاقل هو الذي يصلحُ عيوبَه قبلَ أن تصلَ معهُ إلى باب القبر ؛ لأنها عند ذلك ستبقى معهُ إلى الأبد، ويصبح مرهونا بها أمام الله، والأمرُ قريبٌ من قريب، فعُمْر الدنيا قصير فضلا عن أعمار الأحياء فيها، فهي شديدة القِصَر مع سرعة مرور الأيام والليالي.
كل منّا يخرج إلى الطريق ولا يدري أين تكونُ الخطوة التالية، كل مِنّا يضع ثيابه على جسده ولا يدري إذا كان سيعود ويخلعها بيده أم تقومُ بذلك يدُ غاسله، وقد يضع الإنسان جنبَهُ لينام فلا يرفعهُ إلا يومَ القيامة (الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) [الزمر : 42].
يقول الشاعر الجاهلي طَرَفة بن العبد:
أرى العيشَ كنزًا ناقصًا كلَّ ليلةٍ
وما تنقصِ الأيامُ والدهرُ ينفدِ
أرى الموتَ أعدادَ النفوسِ ولا أرى
بعيدًا غدًا ما أقربَ اليومَ من غَدِ
وليست هذه دعوة لليأس أو التشاؤم أو ترك الدنيا للاختباء في الزوايا.. إنما هي دعوة للنظر والتأمّل واليقظة للحق والواجب، ولا يمنع معها أن يمتلك الواحد منّا الدنيا، ولكن في يدِهِ لا في قلبِه، دعوة ليعيش كل منّا قدمُهُ في الأرض وقلبُهُ في السماء.
وحيلةُ إصلاحِ النفس والعيوب يسيرة، وهي أن يُحسن كلٌّ منا فيما بقي له من المُدّة، فيتجاوز الله عنّا ما مضى وما بقي، ويمدُّنا القدر الأعلى بالعون والهداية، ولأمرٍ ما أمرنا الله أن نردد كل يوم في صلاتنا سبعَ عشرةَ مرة على الأقل (اهدنا الصراط المستقيم)، وإن استمرّتْ منّا الإساءة فيما نستقبل من عُمْرِنا، لا نأمن أن يأخذَنا اللهُ بهما معا (واتقوا يوما تُرجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون) [البقرة : 281].