مشارف حقيقية جمعت استشرافًا لمستقبل من الرؤية الأسرية والمجتمعية،
كنت أنظر لتلك المشارف والحدود بتأمل عميق، أنظر للجبال المحيطة بقرية لا تتجاوز الخمسة عشر منزلًا،
أنظر إليها وأنا أتساءل : ياترى، مالشيء الذي خلف تلك الجبال؟ وكيف يمكنني رؤيته ومتى؟؟
تساؤلات تكاد تكون كل يوم..
وفي يوم من الأيام تنمو الأفكار مع أصحابها، وتمر سنوات من التفاعل العميق مع مجريات الحياة ومن فيها، وتتوارى سنوات من خلفها أخر؛ لتبدأ رحلة مميزة، أكثر وضوحًا وأقوى تحديًا.
هنا تجاوزت مشارف القرية وانتقلت للعاصمة وأنا أتأمل أدق التفاصيل:
جبل راسخ كنت أستمد منه القوة والثبات، خاصة بعد فقد والدي رحمه الله.
مزارع كانت تنبض بالحياة؛ لتعطي للرائح والغادي طاقة إيجابية قد لا يجدها الكثيرون في مكان آخر سوى تلك القرية.
أصوات العصافير التي تملأ جنبات كل بيت وشارع، وعلى كل غصن وجدار وفي كل وقت، وهي تغرد لشؤون حياتها وتسبيحًا لله تعالى.
أصوات الغادي والرائح يسمعها غالبًا من هم في مقدمات تلك المنازل الصغيرة..
أصوات السيارات التي تمر جبرًا من أمام منزلنا لأنه يقع على الشارع الرئيسي.
ومن بين تلك السيارات وأصواتها، صوت سيارة والدي و التي أحتاج مقالًا منفردًا متفردًا لأتحدث عنها وعنه..
على مشارف القرية كان الأمان الذي يعزز طموح أهلها ليكونوا يومًا ما.. كما يتطلعون ويسعون.
وعلى مشارف القرية، ربيع مختلف.. ربيع حقيقي نغدو فيه ونروح كل يوم وكل وقت.
وربيع مشرق في نفوس أهلها رغم إرهاصات الحياة.
كنت أظن وبكل براءة أن الجميع هناك هم أقاربي، دون تمييز أو عنصرية.
حقيقة: لم يكن هذا الشعور ضربًا من الخيال ؛ إنما هو حقيقة درجنا عليها منذ نعومة أظفارنا، ولها عمق أصيل امتد أثره إلى اليوم…
الجميع هناك متحابون رغم الاختلاف، والجميع متسامحون رغم الخلاف، وكأنهم يتمثلون :
الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية.
هناك كانت القلوب الصافية ومازالت.
وهناك بذرة النجاحات لأفذاذ ذلك الزمن ومازالوا…
مازلت القرية الوادعة تحط على ذلك السهل، ومازالت أصوات عصافيرها تغرد وتسبح، ومازال أهلها رغم البعد يتواصلون…
قريتي يامحطة الذكريات..
وائتلاق الرضا وصفو الحياة..
