في قاعة التدريب لا يقف المدرب ليملأ فراغ الوقت، بل ليملأ فراغ الوعي.
ومع كل لقاء، يولد السؤال الأبدي:
هل ما يقدمه المدرب سيكون سحابًا يفيض غيثًا ويترك أثرًا حيًا يستظل به المتدربون زمنًا طويلًا، أم أنه مجرد سراب يلمع في الأفق لحظةً ثم يختفي تاركًا خلفه عطشًا أكبر؟
المدرب السحاب لا يلهث وراء الأضواء، ولا يبحث عن تصفيق عابر، بل يعرف أن أثره يُقاس بما يزرعه في العقول، وما يوقظه في القلوب، وما يتركه من أثر في السلوك بعد أن تُطوى صفحة اللقاء. حضوره ليس حضور جسد ولا صوت، بل حضور روح تفيض وعيًا، وحضور حكمة تشبه المطر الذي يُحيي أرضًا يظنها الناس قد يبست، فإذا بها تخضرّ وتزهر من جديد.
أما المدرب السراب، فهو صورة بلا جوهر، يلمع كما يلمع السراب في عيون العطشى، يخدع ببريقٍ لحظة، ثم ما إن يقترب منه المتدرب حتى يكتشف أنه كان يسير وراء وهم.
يجلس المتدرب في مقعده متشوقًا للمعرفة، فإذا به يغادر مثقلًا بخيبة، كأنما تبع سرابًا لا ماء فيه، ووهمًا لا حياة بعده.
التدريب ليس كلمات تُقال ولا عناوين تُرفع، بل حياة تبذرها في حياة الآخرين، والسحاب الحقيقي لا يحتاج أن يعرّف بنفسه، فكل غيثه شهادة عليه.
أما السراب، فحتى لو علا صوته، سينكشف في النهاية أنه ظل بلا روح.
لهذا، يبقى السؤال قائمًا لكل من يعتلي منصة التدريب:
أتريد أن تكون سحابًا ماطرًا تُكتب آثارك في ذاكرة من مرّوا بك؟ أم سرابًا عابرًا تُمحى صورتك مع أول خطوة يخطوها المتدرب خارج القاعة؟
التدريب ليس مسرحًا للتجمّل، بل رسالة للأبد، والأسماء التي تبقى، ليست التي ملأت القاعات صخبًا، بل التي غادرت القاعة وتركت خلفها أثرًا لا يزول.
