كل يوم تتأكد أهمية الغذاء الصحي، والسلوكيات الغذائية السليمة في الوقاية من الكثير من الأمراض، بما في ذلك بعض الأمراض التي تستعصي على العلاج، وفي مقدمتها الأورام السرطانية، ولاسيما سرطانات الجهاز الهضمي، والتي أثبتت الدراسات الطبية الحديثة، قدرة بعض الأغذية على تحجيمها، بل وتقليـل فرص نشوئهـا .. وفي المقابل فإن بعض السلوكيات والعادات السيئة مثل التدخين وإدمان الكحوليات، يضاعف فرص الإصابة .. لكن كيف يحدث ذلك؟ وما هي الأطعمة القادرة على مواجهة شبح السرطانات؟ هذا ما يحدثنا عنـه د.أوس شاكر سليم استشاري الجراحة العامة وجراحة الجهاز الهضمي بمستشفى الحمادي بالرياض وزميل عدد من الكليات الدولية لجراحة الجهاز الهضمي .. من خلال هذا اللقاء:
بداية نسأل عن حقيقة تأثير العوامل الطبيعية في تحجيم السرطانات ولا سيما في جهاز الهضم ؟
يجب أولاً أن نعرف أن التعامل طبياً مع أمراض السرطان أصبح اختصاصاً مستقلاً له هيكلية واضحة الأسس والمعالم، حيث يتعامل قسم أمراض السرطان مع الوقاية والتشخيص والعلاج أخذاً في الاعتبار أبعاداً باتت فاعلة في تدعيم صحة المجتمع من خلال تطوير صحة أفراده عن طريق برامج توقع ظهور التحولات السرطانية والإسراع بالتشخيص مع وضع الضوابط الطبية متعددة الأوجه القادرة على أقصى درجات العلاج حال وجود التحول السرطاني، ومعلوم أن كثيراً من التحولات السرطانية لها جذور وراثية تحدث أثرها من خلال ازدياد إمكانية التعرض لمرض السرطان بالمقارنة مع خواص المجتمع التي يوجد فيها ذلكم المريض أو عن طريق أمراض ذات خصوصيات تمكنها بعد فترة من استقبال التحول السرطاني ومعلوم أيضاً أن العلاقة الطرديه للعمر مع بعض التحولات السرطانية خصوصاً في جهاز الهضم أمر مثبت ومن هنا يحرص العاملون في أقسام أمراض السرطان على إجراء المسوحات الهادفة الى التشخيص المبكر والتي ثبت فعلها الحاسم في تحجيم الدور الهدام لمرض السرطان وإحداث إنعكاسات إيجابية على صحة الفرد، ومن ثم عموم صحة المجتمع، وقد أثبتت هذه المسوحات قدرة عدد من العوامل الطبيعية في تحجيم السرطانات.
لكن لماذا تأخر الحديث أو الاهتمام بمثل هذه العوامل كل هذا الوقت ؟
السبب يكمن في التوظيف العقلاني لتقنيات العصر في علوم الجراحة والأشعة والصيدلية والمناعة لتكثيف القنوات العلاجية القادرة على إحداث الضد للخلية السرطانية. وعندما ينظر إلى هذه الجوانب بالغة التطور والفاعلية نجد أنها ردة فعل المؤسسات الصحية على مرض السرطان وليس دور الفرد في توظيف مؤثر للعوامل الطبيعية المتاحة والتي من شأنها تحجيم ظهور مرض السرطان واستفحاله، وهذا جانب كبير الأثر وقادر على إحداث فعل معاكس للقدرة على نشوء هذا المرض ولكنه يظل قليل الإدراك في كثير من المجتمعات وخصوصاً تلكم التي تقوم فلسفتها على اعتبار المرض أمراً ممكن، وعند حصوله يتم الاعتماد كلياً على المؤسسة الصحية للتعامل معه دون جهد ذاتي للاطلاع والمعرفة على وسائل تدعيم عموم الصحة التي تبدأ بالفرد نفسه وبالواقعية والتجرد الذي يفتح باب الممارسة الفاعلة لوسائل استنهاض الصحة العامة وديمومتها مع استعداد كامل لمواجهة عادات ووسائل عيش يجب الإقلاع عنها، هذه الفلسفة الخاطئة هي التي همشت العوامل الطبيعية المؤثرة في تحجيم السرطانات.
وهل هذا يعني أن هذه العوامل معروف فاعليتها من قبل ؟
لتبسيط الفهم حول مرض السرطان وطريقة نشوئه لا بد من التذكير بأن هناك نظريات عديدة وضعت عبر فواصل زمنية متعاقبة حملت تعميقاً حول حجم الفهم المتعلق باستحداث التغيُّر السرطاني على مستوى الخلية ومن ثم تثبيت وجوده وبعدها انتشاره وتلخص كل هذه النظريات القديمة والحديثة أن التحول السرطاني للخلية يعتمد أساساً على وجود عنصر وراثي وآخر مكتسب ويتمثَّل العنصر الوراثي بالجين الحامل لخصوصية سرطانية معينة يولد بها الشخص أما وقد ظهر السرطان عنده (سرطان حديثي الولادة) أو بدونه، حيث يبقى هذا الشخص سليماً حتى حصول العنصر المكتسب على ظروف خاصة تكونت خلال العمر تمكن من إعطاء إشارة السماح لجين السرطان بأن يتحول إلى جين فعَّال يفرض التحول السرطاني ونشوء المرض، ومن هنا فإنه يمكن توظيف كثير من الوسائل الطبيعية للتعامل مع العامل المكتسب ومن ثم تأخير أو منع التحول السرطاني وبأقل الحالات توظيف أفضل العوامل لتفعيل قدرات الجسم المضادة للسرطان مما ينعكس على مقاومة ذات أثر للسرطان، وهذه العوامل أثبت العلم فاعليتها تباعاً عبر مراحل متعاقبة.
وماهي أبرز هذه العوامل ومن أين تأتي ؟
تأتي الوسائل الطبيعية المؤثرة في نشوء السرطان من عدمه من عادات وغذاء الفرد وتقع في سياق العوامل المساعدة على نشوء السرطان وتلك المانعه له، يستخلص من الدراسات الباحثة عن العلائق الفعلية لدور غذاء الإنسان بتحفيز التغُّيرات السرطانية أن الدهون بأنواعها عناصر مؤثَّرة سلباً من خلال عمليات أكسدة تأتي بنهاية المطاف على تحجيم دور ضوابط نمو الخلية الموجودة في جدارها، كذلك هو دور قلة الخضراوات الورقية والأطعمة الحاوية على قشرة القمح، أما الكحول فإن مساعدته على إمكانية نشوء السرطان في جهاز الهضم أكثر تعقيداً وتأخذ أوجه عمل متعددة لعل أهمها إضعاف عموم جهاز مناعة الجسم وتشمّع الكبد، وعلى العكس من هذا فإن هناك أغذية تزيد من إمكانية نشوء السرطان بأماكن محددة مثل المخللات وسرطان المريء والأغذية المعلبة وسرطان المعدة والقهوة وسرطان البنكرياس ، ويتعاظم دور كل هذه المؤثرات السلبية عند المدخنين، حيث يوفر التدخين مادة بنزبايرن ذات الخاصية السرطانية المباشرة.
وماهي الأطعمة التي تضاعف القدرة الجسمانية على مواجهة سرطان الجهاز الهضمي أو عدم ظهوره؟
يأتي في مقدمة العوامل الغذائية المساعدة على ازدياد المقاومة ضد نشوء سرطان جهاز الهضم الخضراوات الورقية ذات الفعل المباشر ضد الافعال السلبية لمنتجات الأكسجين وذراته الحرة ، وقشرة القمح الداخلة مباشرة في تحفيز عملية الأكسده الفوسفاتية في نواة الخلية مما يمنح الخلايا الجسدية حيوية دائمة قادرة على تمتين دور مقاومة العوامل السلبية الهادفة إلى تداعي الأنسجة مع تعميد مقاومة هذه الأنسجة والمساهمة المباشرة في استنهاض عموم فعاليات جهاز المناعة بالجسم ، كما يقدم كل من السمك المشوي وأنواع الجوز واللوز من المكسرات مشتقات دهنية تدخل مباشرة في صيانة الأنسجة وديمومة حيويتها وعلى رأس ذلك الأنسجة المخاطية للقولون. من جانب آخر يقدم الثوم الطازج عناصر تساهم مباشرة في تقديم وحدات بناء الأنسجة المطلوبة لإعادة الترميم مما يبقى على حيوية عموم الأنسجة، ولذلك يمكن عند الاعتماد على الأغذية ذات الفعل المضاد للتحول السرطاني أن تكون هناك وسائل دائمة الفعل لإزالة العوامل المستخدمة في إحداث النشوء السرطاني مثل ذرات الأكسجين الحرة بنفس الوقت الذي توجد فيه عناصر ديمومة فاعلية الخلايا الجسدية مما يساعد على استمرار حسن مقاومتها للتغيرات السرطانية مضافاً له تفعيل القدرة على ترميم ما يتلف من الأنسجة.
ويستخلص من هذا كله أن الوسائل الطبيعية المتوفرة في الغذاء اليومي تستطيع أن تقدم سبل تفعيل مقاومة نشوء سرطان جهاز الهضم.