من المؤكد عند حدوث أي وباء عالمي مثل “وباء كورونا” الذي يجتاح العالم الآن أن تصاحبه عدة آثار سلبية سيئة أهمها الأثار الصحية والإقتصادية والإجتماعية علاوة علي الآثار النفسية والعصبية والعقلية وهنا سنحاول التعرف علي بعض الجوانب النفسية والعقلية لهذه الجائحة العالمية الغير مسبوقة وذلك في محاولة منا لتوضيح مدي العلاقة بين هذا الوباء الغير مسبوق والذي طال العالم كله تقريبا وما سيصاحبه من إضطرابات نفسية وعصبية وعقلية لدي كثير من الناس ولهذا سنقوم بطرح ومناقشة بعض الأسئلة والاستفسارات التي تشغل كثير من الناس والإجابة عليها من جانب الأستاذ الدكتور/ عزت عبدالعظيم استاذ وإستشاري الطب النفسي بجامعة الزقازيق ومستشفي الحمادي بالرياض.
وهذه هي الأسئلة التي طرحناه عليه: هل من المتوقع حدوث آثار نفسية سيئة مع وباء كورونا الآن؟ لماذا سيحدث؟ وما هي كيفية حدوثه؟ ومن هم الفئات الأكثر عرضة لحدوث هذه الاضطرابات النفسية والعقلية؟ وكيف يمكن مواجهة وعلاج وباء الاضطرابات النفسية المتوقع أن يتزامن مع هذا الوباء الفيروسي؟ وقد جاءت أجابته فيما يلي:
بداية يجب أن يعلم الجميع أن العالم كله الآن أصبح في مركب واحد وكل الناس تمر بنفس الظروف التي يمر بها العالم أيا كان السبب إلا أن النتيجة هي ما نراه الآن من انتشار لهذا الوباء في كل البلاد وأصاب ويصيب الناس بدرجات متفاوته.. ومن الطبيعي وكما هو معروف أن الإنسان يتفاعل نفسياً مع ظروف الحياة التي يعيشها من حوله بكافة أشكالها وأوضاعها وبالتالي تنتج لدي كل إنسان أحاسيس ومشاعر نفسية وعقلية كردّة فعل تفاعلية لما يدور من حوله وخصوصا هذا الضغط النفسي والعصبي الذي يتسبب فيه هذا الوباء علي مستوي الصحة العامة والصحة النفسية بما يتسبب فيه من وفيات وأزمات اقتصادية وقيود علي الحركة واضطراب في العلاقات الإنسانية والإجتماعية والأسرية والتي تتضرر كثيراً كما نري كل ذلك يحدث الآن وبالتالي سوف تؤثر كل هذه الأمور علي حالة الإتزان النفسي والأنفعالي لأي شخص سواء فرح أو حزن، هدوء أو قلق، طمأنينة أو خوف وما إلى ذلك من تفاعلات نفسية وبالتالي تسببه في حالات القلق والخوف والإكتئاب وذلك مصدقاً لقوله تعالي: “إن الانسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا إلا المصلين” وهذه أمور متوقعة الحدوث لأن الإنسان يتأثر نفسياً وبشدة في أوقات المحن والشدائد والأزمات والكروب والكوارث الطبيعية كالزلازل والبراكين والفيضانات والأعاصير وما ينتج عنها من دمار واسع للمباني والتجهيزات الأخرى وكذلك حصد لأرواح الآلاف من الناس المتضررين بها أو مما قد يحدث من كوارث بفعل الإنسان نفسه كما في الحروب والإرهاب وقياساً على ذلك فإن الأوبئة التي تصيب الإنسان تعتبر أحد الكوارث الطبيعية وخصوصا هذا الوباء الذي يجتاح العالم بقسوة الآن.
حيث يتوقع المحللون أن هذا الوباء قد يحصد أرواح الآلاف وربما الملايين من البشر في كافة أرجاء الكرة الأرضية إذا لم تتم السيطرة عليه وذلك لسرعة السفر وحرية التنقل بين البلاد ومن هنا يكمن سر الخوف الزائد في الأوساط الطبية من سرعة وسهولة انتشار هذا المرض بصورة وبائية غير مسبوقة وبالتالي فقد تم أخذ كثير من التدابير لمنع انتشاره وذلك بمنع السفر والتنقل بين البلاد بل والقيام بعملية تعطيل لكل أشكال الحياة من دراسة وعمل وإلزام الناس بالجلوس في منازلهم كما أن توفر وسرعة نقل الأخبار وصور المرضى والموتى ومآسي الأهالي وما تعانيه حتي بعض الدول المتقدمة عبر وسائل الإعلام المختلفة والمتطورة جداً في زمن الإنترنت والفضائيات جعل العالم كله من صغيره الي كبيره وكافة أطيافه وأجناسه في أي مكان أو زمان على دراية تامة واحتكاك متواصل لحظة بلحظة بكل ما يجري ويحدث هنا أو هناك لهذا الوباء القاتل وهذا بالتأكيد سيؤدي الي وباء آخر من الاضطرابات النفسية والعصبية لدى كافة الناس حيث ازدادت حالات الخوف الدائم من العدوى والقلق والترقب الدائم للأحداث وكذلك زادت حالات الاكتئاب النفسي لدى أهالي المنكوبين بل حتى لدي الإنسان العادي البعيد عن دائرة الخطر تعاطفاً مع المنكوبين وأهاليهم مع تخوف شديد من هذه الكارثة الإنسانية التي قد تصل لأي إنسان..
ومن المتوقع أن يتأثُّر كثير من الناس نفسيا حيث يعيش الجميع في ظرف استثنائي لم يمر به العالم من قبل بمن فيه الأطفال الذين لا يدركون ما يحدث إلّا أنهم يرون حالة القلق والخوف وما يشبه حالة من السجن المنزلي اجبارياً لا اختياريا وبالتالي سيعاني نفسيا كل من هو لديه استعداد للتأثر نفسياً أو من هم مرضي نفسيين فعليا وكذلك من سيعيش ظروفاً صعبة قاهرة خلال هذا الوباء مثل أهالي المصابين وضحايا الوباء وكذلك مقدمي الخدمة الطبية في الصفوف الأمامية داخل مراكز الرعاية الطبية المكثفة ومعاونيهم من تمريض وفنيين وباقي كوادر المستشفيات ومن هم في مجال الخدمة الطبية وكل الأجهزة التي تعاونهم في توفير متطلبات توفير الرعاية الصحية والدوائية والتجهيزات الطبية والأمنية والخدمية الذين يعملون ليل نهار تحت ضغط ساعات العمل الطويلة ومواجهة احتماليات الإصابة والإرهاق البدني والنفسي والحرمان الإجتماعي والأسري وكل هؤلاء يجعلهم أكثر عرضة للتأثر نفسيا وبالتالي هم في حاجة للدعم المعنوي والنفسي حتي لا تصل حالتهم النفسية لحالة الإحتراق والإنهيار..
إن مواجهة وعلاج متلازمة الاضطرابات النفسية المصاحبة لأي حالة وبائية لا تحتاج فقط لمجهودات فردية ولا حتى إقليمية ولكنها تتطلب تضافراً لكل الجهود وعلي كافة الأصعدة والمستويات الطبية والسياسية والأمنية والدينية والإقتصادية والإجتماعية وحتى على الصعيد العالمي والتي ستكون هي مركز القيادة أو الركيزة الأساسية لمواجهة هذا الوباء العالمي وبالطبع يأتي على رأس هؤلاء المسئولين منظمة الصحة العالمية وما يتبعها من هيئات ومن ضمنها الجمعية العالمية للطب النفسي وما ستقدمه من برامج التوعية والدعم النفسي للمنظمات الإقليمية والأهلية في مواجهة موجة التأثر النفسي الشديدة المتوقعة لما يحدث للناس الآن نتيجة لهذا الوباء ومن خلال التنسيق والتعاون مع وسائل الإعلام ووكالات الأنباء العالمية والمحلية والفضائيات وشبكة المعلومات وتقنية وضبط وتنظيم تناقل الأخبار الخاصة بالوباء وآثاره المميتة على البلاد المنكوبة والابتعاد عن إثارة الرعب والفزع في نفوس الناس بل يجب أن يتم ذلك بأسلوب تحذيري بدون إثارة وتهويل وتخويف مع بث لروح الثقة والطمأنينة والأمل في نفوس الناس بإمكانية القضاء على هذا المرض قريباً وجدوى العلاج منه في أقرب وقت –
كما يجب علي الناس وخصوصا هؤلاء الأشخاص الذين لديهم سهولة في التأثر نفسيا؛ عليهم الإبتعاد عن متابعة تلك الأخبار المخيفة والكئيبة المتلاحقة والمرتبطة بهذا الوباء والتي تستثير لديهم حالة القلق والإكتئاب والخوف مثل الإحصائيات التي تتحدث عن معدلات انتشار المرض وأعداد الوفيات في كل بلد وذلك لأن كل هذه الأمور سوف تزيد من حالة القلق والتوتر والخوف والإكتئاب – كما يجب علي كل من يلاحظ علي نفسه أنه قد بدأ في التأثر نفسيا وزادت لديه درجة القلق والحزن والخوف وبدأ يعاني من قلة في النوم وتوهمات مرضية مثل القولون العصبي والصداع عليه أن يزور طبيباً نفسياً في أقرب وقت حتي يتجاوز تلك الأزمة –
أما على المستوى الإقليمي فإن كل دولة بهيئاتها السياسية والإعلامية والدينية والطبية والإجتماعية يجب عليها التعاون مع الهيئات الدولية والقيام بأعمال داعمة وفعالة على قدم وساق مع كافة الهيئات العالمية المناظرة وتوفير برامج التشخيص واكتشاف المرض والوقاية من الإصابة سواء بالحجر الصحي أو التطعيمات الواقية من هذا المرض والإلتزام بحظر التجوال للحد من انتشار الوباء مع الحث علي تحمل هذه الظروف الإستثنائية حتي تزول هذه الشدة مع إبراز الجوانب الإيمانية ورفع الحالة المعنوية العامة للناس وطمأنتهم على حياتهم قولاً وعملاً – أما الدور الأخير والهام أيضاً فيقع على عاتق الهيئات الطبية وكل الاطباء والعاملين معهم في هذا المجال الهام جدا من صيادلية وممرضات وفنيين وجميع العاملين بلا استثناء وهذا هو دورهم والتزاما منهم بمبادئهم تجاه إخوانهم في الإنسانية في ظل هذه الظروف الإنسانية مع زيادة الدور الداعم من جانب الطب النفسي في المواجهة الفعالة للتأثيرات النفسية السيئة للوباء وكيفية الوقاية من هذه الاضطرابات النفسية المحتملة لدى الناس والعمل علي علاجها وكذلك يجب على الرأي العام لدى المجتمع وكذلك الاطباء غير النفسيين تقبل المساعدة النفسية من زملائهم الأطباء النفسيين بلا حرج لمواجهة حالات الخوف والقلق والاكتئاب لدى من يتعرض للضغوط النفسية وبدأ يشعر بالمعاناة نفسياً مع الإيمان الكامل بقدرة الله وإرادته في كل زمان ومكان وتحت أي ظرف حتي يزول الوباء وتنتهي هذه الغمة إن شاء الله بالتوكل علي الله والثقة فيما يقضيه لنا والرضا به والصبر علي هذا الإبتلاء والتأكد من الفرج بعد هذا الضيق وزوال هذا الكرب إن شاء الله لقوله تعالي: “قل لن يصيبنا إلّا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون”.. وقوله تعالي: “في بضع سنين * لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون”.
______________________
الدكتور: عزت عبدالعظيم
استشاري الطب النفسي بمستشفى الحمادي بالرياض
المشاهدات : 2659
التعليقات: 0