كان ولا يزال وسمُ «هلكوني» الذي أطلقه موافقُ الرويلي حول الشهاداتِ الوهميةِ، يثيرُ الكثيرَ من الجدلِ حولَ هذه الظاهرةِ، التي يبدو أنها تنتشرُ في منطقةِ الخليجِ العربيِ، بشكلٍ أكبرَ بكثيرٍ مما يظهرُه الوسمُ الشهيرُ والقائمون عليه، رغم كلِ جهودِهم المبذولةِ لكشفِ هذا السلوكِ الشاذِ الذي لا يهددُ وجودَه قوانين تساوى الفرصَ التي تصنعُ التنميةَ في المجتمعِ، وإنما يمتدُ إلى الإخلالِ بمفاهيمِ الشرفِ والأمانةِ والمصداقيةِ التي تتشكلُ منها منظومةُ القيمِ التي يرتكزُ عليها النظامُ الاجتماعيُ وقوانين الضبطِ القيميِ والأخلاقيِ فيه.
وإن كان غيابُ القوانين والتشريعاتِ التي تجرّمُ الشهاداتِ الوهميةَ وتحاكمُ مستخدميها في دولِ الخليجِ، هو أولُ ما يلفتُ نظرَ المتتبعِ لهذهِ الظاهرةِ، فإن هناك عاملا آخرَ لا يقلُ أهميةً عن الأولِ بالمساهمةِ في تفشي هذه الظاهرةِ والسكوتِ عنها، ألا وهو القبولُ الاجتماعيُ لها.
نعم هناك قبولٌ اجتماعيٌ عامٌ لأصحابِ الشهاداتِ الوهميةِ على مستوى المؤسساتِ الإعلاميةِ، وكذلك على مستوى الأفرادِ ورأيِ الشارعِ، وأتصورُ أنه لو لم يكن هناك قبولٌ اجتماعيٌ حقيقيٌ للوهميين لتوقفت هذه الظاهرةُ أو تم تقليصُها بشكلٍ كبيرٍ، فغالبيةُ حاملي الشهاداتِ الوهميةِ يبحثون من خلالها عن وجاهةٍ أكبرَ وقبولٍ أكثرَ ومكانةٍ اجتماعيةٍ أعلى، وجميعُها قيمٌ اجتماعيةٌ معنويةٌ يمنحُها المجتمعُ لأفرادِه بحسبِ الضوابطِ والقيمِ الاجتماعيةِ ومقاييسِ المقبولِ وغير المقبولِ من السلوكِ فيه.
وعندما نجدُ أن الوهميَ يجدَ قبولا واحتراما وحتى احتفاء في وسائلِ الإعلامِ والتواصلِ، وحتى المجالسِ الخاصةِ والعامةِ، وأحيانا دفاعٌ مستميتٌ عنه، برغم معرفةِ الجميعِ مصدرَ الشهادةِ التي يتم تقديمُه بها، وحقيقةَ المعرفةِ الكاذبةِ التي يقوم بتسويقِها لمن يحتفي بها، فإن هذا يؤكدُ أن لدينا خللا اجتماعيا قيميا كبيرا يتجاوزُ ظاهرةَ الشهاداتِ الوهميةِ، إلى كل مفاهيمِ السلوكياتِ الأخلاقيةِ التي يحتاجُها المجتمعُ ويقيّمُ أفرادُه بناءً عليها.
أعتقدُ أن ظاهرةَ الشهاداتِ الوهميةِ والقبولِ المجتمعيِ لأصحابِها لا تمثّلُ مشكلةً بحدِ ذاتها، وإنما هي واحدةٌ من مشاكلَ مجتمعيةٍ عديدةٍ ناتجةٍ عن خللٍ مجتمعيٍ ما، خللٌ على مستوى القيمِ والضوابطِ المجتمعيةِ يحتاجُ إلى دراسةٍ علميةٍ حقيقيةٍ قادرةٍ على تشريحِه ومن ثم محاولة معالجتِه بشكلٍ جديٍ.
المشاهدات : 2438
التعليقات: 0