في كل بستان طيرٌ وأعاصير ولصوص ثمار.
طير يحطّ في موسم الإزهار، يبحث عن رزقه،
ثم يرحل مع أول ريح.
أعاصير تمرّ فتُسقط ما لم يثبت،
لكنها تكشف في الوقت ذاته عن قوة الجذع وأصالة الجذور، ولصوصٌ يأتون في الظلام، يقطفون الثمار ناضجة، ظانّين أنهم امتلكوا سرّ الحلاوة، وما دروا أن حلاوتها منحتها الجذور لا الأيدي.
الثمرة التي تُقطف تظن أنها بلغت المجد، وتتوهم أن لمعانها سيبقى كما هو…
لكنها ما إن تُفصل عن أصلها حتى يبدأ الذبول. قد تُؤكل في لحظة، وقد تُترك لتجفّ، لكن مصيرها واحد: أن تفقد غذاءها، وتبقى مجرد ذكرى.
ويا للعجب…
مابين ثمرة تفرح وثمرة تصرخ، تفرح حين تسمع صوت جانيها تظن أنه سيحفظها، واخرى تصرخ فقد مر عليها زمان قد مضى علمت فيه الحقيقة أنه لا يرد منها إلا أن يتلذذ بمذاقها.
تُؤكل ثم تُرمى بقاياها، ولا يبقى منها سوى بذورٍ متفرقة، تحلم أن تجد تربة جديدة تنبت فيها من جديد.
أما البستان… فلا تهزه الطيور ولا الأعاصير ولا اللصوص. يبقى قائمًا بجذوره العميقة،
يورق من جديد، ويثمر مرة بعد مرة.
البستان لا يقاس بما يُؤخذ منه، بل بما يستطيع أن يُعطيه من جديد.
هكذا هي الحياة…
الوفاء لا يُقاس بكثرة المديح، ولا يُختبر في موسم الإزهار، بل يُعرف حين تتغير الفصول.
أما من تنقل مع الرياح، وظن أن القطف انتصار، فسرعان ما يكتشف أن الأثر لا يُصنع من لمعان عابر… بل من جذور صادقة تمتد في الأرض، تغذي وتُثمر، مهما تبدلت المواسم.
