كما أنّ الأطعمة الجاهزة (المعلبة) تُعدّ ضارّة بصحة الإنسان الجسدية، فإنّ الاقتصار على الأسئلة التذكّرية المباشرة يُلحق ضرراً بعقل المتعلم وبطرائق تفكيره. فالأسئلة التذكّرية، التي تقتصر على استرجاع المعلومات دون تحليل أو ربط أو ممارسة للتفكير الناقد، تمثل أدنى مستويات هرم بلوم لتصنيف الأهداف المعرفية.
إنّ أحد أبرز أسباب تعثر أبنائنا في اختبار القدرات يعود إلى غياب التدريب المبكر على أنماط التفكير العليا. فمنذ المراحل الأولى للتعليم، اعتاد الطلبة على أسئلة تقيس الحفظ والفهم المباشر، في حين قلّ حضور الأسئلة التي تتطلب التحليل أو الربط أو الاستنتاج. ويُلاحظ بوضوح عند الاطلاع على بعض النماذج الاختبارية – سواء النصفية أو النهائية – في منصات تعليمية واسعة الانتشار، أنّ الطابع السطحي ما زال يغلب على أدوات التقويم.
وقد جاء اختبار “نافس”، الذي أطلقته هيئة تقويم التعليم والتدريب، كمحاولة جادّة لتجاوز هذا الإشكال. إذ يمثل نافس رؤية إصلاحية تسعى إلى إعادة توجيه التعليم نحو تنمية أنماط التفكير المعقّد والناقد. غير أنّ المبادرات الفكرية، مهما بدت واعدة، لا يمكن أن تحقق أهدافها ما لم تُدعَم بآليات تنفيذية وبيئة تعليمية ثرية بالأدوات.
ومن هنا، فإنّ الميدان التربوي بحاجة ماسّة إلى كوادر متخصصة داخل المدارس، تعمل على تطوير مهارات التفكير العليا لدى الطلبة، بما في ذلك الاستقصاء، والتحليل، والتفكير الناقد. كما أن إدراج حصص مخصصة للتفكير ضمن الجدول الدراسي يُعدّ خطوة ضرورية لبناء جيل قادر على مواجهة تحديات المعرفة.
إنّ تجاهل تنمية هذه المهارات منذ السنوات الأولى يشبه – مجازاً – رمي طفل في البحر وتركه بلا تدريب، ثم مطالبته بعد سنوات بإتقان السباحة. النتيجة المتوقعة في هذه الحالة مأساوية، وكذلك هو الحال مع أبنائنا حين نطالبهم بمهارات تفكير لم يتم إعدادهم لها.
ياسر جزاء العيساوي
سفير رابطة المعلمين الدولية ITA
