إنها عروس قارة آسيا والعالم أجمع، إنها المدينة التي لا تنام؛ لأنها مدينة الأمن والأمان، رحابها الرحب وسع المسلمين أجمع، كما وسعتها قلوب المسلمين في شتى بقاع الأرض.
ذلك الرحاب الرحب الذي وسع قلوبنا و مشاعرنا وأجسادنا منذ أن عرفناه، هفت إليه القلوب منذ دعوة إبراهيم عليه السلام.
أيها القراء :
لم نتخيل في يوم من الأيام أن نرى ذلك الرحاب يغلق، و لم يخطر على بال أحدنا أن يمنعنا أحد من زيارة أطهر البقاع( بيت الله الحرام)؛ لكنه قدر الله الذي لا نملك أمامه إلا الاستسلام، فاللهم لا حول لنا و لا قوة إلا بك.
لا نملك إزاء ذلك إلا السمع والطاعة لولاة أمرنا، وعلمائنا، الذين ما أمروا بذلك إلا وفق ما تقتضيه المصلحة العامة، وفق شريعة سمحة، تدعو للحفاظ على سلامة الفرد والمجتمع، فاللهم لك الحمد.
أيها الفضلاء:
ولأننا بشر، ومشاعرنا جزء كبير من تكويننا، أبت تلك المشاعر إلا أن تخرج.
يا الله.. كم هو مؤلم أن تفارق ما تحب، فكيف إذا كان مكة والحرم!!
يا أرض مكة في رحابك راحة
تمحو عن القلب الحزين أساه
شوقٌ تَضجُّ به مواطن لهفتي
يا رب بلّغ مَن يُحِب مُناه
خلت مكة، وامتلأت لها قلوب المسلمين،حبًا وشوقًا.
آمنا بالله وسلمنا بأمره.
القراء الكرام:
مهما حزنا و بكينا وتألمنا لهذا الوضع وذلك الفراق، مازال لدينا أمل، لدينا أمل من رب العالمين سبحانه و هو القائل جل في علاه :
{ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا* إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا }
لكل من تهفو قلوبهم لرحاب مكة :
هذا الشوق، وذلك المنع، له وجه آخر،
وبعد إيماني لابد أن ينهض في القلوب والمشاعر، ذلك هو الإيمان ب..
( أحبب من شئت فإنك مفارقه )
نعم، إنه إدراك المؤمن أن هذه الحياة طريق لابد أن نسير عليه، ليس هذا فحسب؛ إنما يتطلب ذلك زرع جنباته بالتفاؤل، والمضي قدمًا نحو ما ييسر ذلك الطريق، بلا توقف.
أيها الكرام :
تلك المشاعر النبيلة من الجميع، دليل على إيمان عميق؛ وحب مكة والمشاعر المقدسة لا يصدر إلا من مؤمن أدرك مكانتها، و ربط ذلك بتميز العبادة فيها عن غيرها..
وجرى على البطحاء نهر محبة
تتعانق الأحلام في مجراه
وتصب في بحر الحياة فروعه
فيصير أملح مائه أحلاه
صرح من الأمجاد لم تعصف به
ريح الفناء ولا الزمان محاه
في وجه مكة منه أجمل لوحة
وعلى جبين الأخشبين رؤاه
أرأيت مكة حين خاطت ثوبها
من نوره وتلفعت بهداه
وتبرجت ساحاتها وغدا لها
قلب يتوق وأعين وشفاه
وتألقت في كل ثغر بسمة
واستجمع الأمل الجريح قواه
ياأرض مكة والزمان كأنه
طفل تغنى بالمنى شفتاه
يرنو إليك بمقلةٍ لو أنها
نطقت لقالت فوق ماقلناه.
نعم أيها القراء ، جميعنا نتطلع إلى ذلك الرحاب؛ لما نحمله في قلوبنا من حب إيماني عميق ولسان حالنا يردد :
أحببت مكة حب من في قلبه
روض تعهده الحيا ورعاه
هذا الحب الخالص سنصبر من أجله، وسنرعاه بقلوبنا و دمائنا، وكلنا أمل يتطلع لأمل أوسع، أمل الفرج من الله، وعودة الجباه ساجدة على ذاك الثرى الطاهر؛ شكرًا لله وحمدًا.
أيها الفضلاء:
أمِّلوا في الله خيرًا، فالله تعالى عند ظن عبده به، وبحوله وقوته سنعود، و نحن نردد:
يا أرض مكة فوق ثغرك بسمة
نشوى وفي عينيك ماأهواه.