إلى كل مسلم ومسلمة في وطني الغالي ،،،
رمضان ؛ وما أدراكم ما رمضان ثم ما أدراكم ما رمضان ! ؟
إنه الركن الرابع من أركان الإسلام ، والشهر الذي تَنزّل فيه القرآن ، قال الله تعالى ( شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ) .
وقال نبينا عليه الصلاة والسلام ( أتاكم رمضان شهر مبارك ، فرض الله عز وجل عليكم صيامه ، تُفتح فيه أبواب السماء ، وتُغلق ابواب الجحيم ، وتُغل فيه مردة الشياطين ، لله فيه ليلة خير من الف شهر من حرم خيرها فقد حرم ) أو كما قال ؛ فرمضان هو : شهر القربات والرحمات وغفران الزلات ، شهر الصيام والقيام وتلاوة القران ، شهر الخيرات والصدقات والأعمال الطيبات ، شهر العمل والجد والفتوحات الاسلامية ، ، وفيه ليلة عظيمة ، فيها أنزل القرآن ، والعمل فيها يعدل عمل الف شهر ، وفيها تقدر أعمال العباد وفيها السلامة من كل سوء ، قال عليه الصلاة والسلام ( من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غُفر له ما تقدم من ذنبه ) ، وقد عرف سلفنا الصالح – الصحابة ومَن بَعدِهم مِن التابعين والصالحين وإلى يومنا هذا – قيمة رمضان وعظمته ، فكَبُر أثره في نفوسهم ، وسَمَت معانيه الجليلة في حياتهم لذلك كانوا يشمرون عن سواعدهم استعدادا لاستقبال هذا الشهر الفضيل ، ويدعون ربهم ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ، ثم يدعون ستة أشهر أخرى أن يتقبل الله صيامهم وقيامهم ، وعلى هذا النهج سار أجدادنا ، لقد كانوا ينتظرون شهر رمضان بفارغ الصبر ، ويفرحون بقدومه ويهللون ويستبشرون الخير فيه ويقولون جاءنا شهر العبادات والخيرات ، وصدق من شبّه جمال وروعة رمضان بين أشهر السنة بيوسف عليه السلام بين أخوته ، فهل أدركنا نحن وأبناؤنا فضل شهر رمضان وهل أنزلناه في نفوسنا منزلة تليق به ، وهل استشعرنا عظمة هذا الضيف العزيز الذي لا يلبث أن يرحل سريعا ؟ .
لا لم نستشعر عظمته وفضله ؛ فقد تبدّل حال مجتمعنا في رمضان وخاصة في العقود الثلاثة الاخيرة وأصبح أبناؤنا ينتظرونه للهو ومشاهدة المسلسلات وليس للعبادة ؟ وتفشت في رمضان بين الأسر تلك الظاهرة الغريبة ، وهي السهر ليلا والنوم نهارا .
هذه الظاهرة الخطيرة تحمل في طياتها تحول الصيام من عبادة إلى عادة ، والتمادي بها يؤدي إلى تمييع المعاني الجليلة لهذا الشهر ، فأين روحانية رمضان بقيام ليله وصيام نهاره وأين أبناؤنا من تلاوة القرآن وتدبر معانيه ؟ ما هذه البلادة التي أصابت أبناؤنا وأبعدتهم عن القيام بشعائر دينهم ، وأي عبثٍ لوث معتقداتهم فأصبحوا غير مبالين بشهر رمضان وفضائله ؟ ، لماذا أصبح أبناؤنا يقضون شهر رمضان بالسهر والسمر وحضور المسلسلات إلى ما بعد الفجر ، ثم النوم طيلة النهار وحتى آذان المغرب من دون صلاة أو أداء أي عمل ؟ فهل نزلت شريعة جديدة في زمننا هذا وحولت شهر الصيام إلى مهرجان للمسلسلات والتسكع بالأسواق لشراء الملابس والمأكولات وتقضية الأوقات بين اللهو والنوم ؟ كلا ولا فشريعة نبينا محمد باقية محفوظة من الرب تبارك وتعالى ولكن الخلل فينا نحن الآباء والأمهات ، لقد فرطنا بتربية أنفسنا وتربية أبناؤنا ، وشغلتنا الدنيا بزخرفها عن رعاية بيوتنا وأسرنا ، وانشغلنا بوسائل التواصل عن ديننا حتى أصبح غالبيتنا ينسى صلاته أو يؤديها في آخر وقتها ، فأي قدوة أصبحنا لأبنائنا ؟ وكيف لنا أن نعود إلى ديننا وجذورنا لنبني بيوتنا ومجتمعنا ؟
أيها الآباء والأمهات ،،،،
هيا بنا نعاهد الله بالتمسك بشعائرنا وتعزيزها بأبنائنا ، فأبناؤنا أمانة وعلينا الحفاظ عليها فنحن مسؤولون عنها من رب العالمين فمن أحسن فيهم فله الحسنى ومن أساء فعليه وزره ووزر أبنائه ، وعلينا أن نستثمر هذه الأيام المباركة لوعظ أبنائنا وحثهم على استشعار قيمة الصيام وفضل هذا الشهر المبارك . وهذه بعض الارشادات والتوصيات للعمل بها بشهر رمضان :
1 – تدارسوا معهم القرآن تلاوة وتدبرا وتفسرا ، وكونوا قدوة لهم بذلك .
2 – عدم التفريط بأيام هذا الشهر الفضيل ، في الطبخ أو التسلية بوسائل التواصل الاجتماعي أو مشاهدة المسلسلات ، وعليكم استغلال هذه الأيام المعدودات بأعمال البر والخير وقراءة سير عظماء الأمة ، والإكثار من الجلوس مع أبنائكم ومحاورتهم وبيان فضل هذا الشهر صياما وقياما .
3 – تحروا مع أبنائكم الأوقات الثمينة التي فيها يستجاب الدعاء كما بينها نبينا عليه الصلاة والسلام ، عند الافطار وقبيل السحور والعشر الأواخر وتحري ليلة القدر ، وعليكم بالإلحاح في الدعاء .
4 – إقامة منافسات دينية بين أبنائكم لحثهم على قراءة القرآن ودراسة الأحاديث النبوية والفقه وغيره .
5 – تعويد الصغار على الصوم دون اكراه ، ولا حرج من السماح له بالفطر نهارا حين يتعبه الجوع .
6 – حضهم على الصدقة ببيان فضل الصدقات وخاصة في رمضان ، وان الصدقات تُطفئ غضب الرب .
7 – بيان فضل العشر الأواخر من رمضان وبيان فضل الاعتكاف بها بالمساجد ففيها ليلة القدر ، فإنها خير من ألف شهر قال تعالى ( ليلة القدر خير من ألف شهر ) ، وقال تعالى ( فيها يُفرق كل أمر حكيم ) أي فيها تقدر أعمال العباد .
8 – أظهر لهم نشاطك واهتمامك بعملك أثناء الصيام ، لتعزز فيهم قيمة العمل أثناء الصيام ، وأن الصيام لا يعني التكاسل والنوم عن العمل .
9 – هذبوا أخلاقهم في رمضان ، وجذّروها في نفوسهم لتصبح من صفاتهم بعد رمضان ، وبينوا لهم أن الصيام ليس عن الطعام والشراب فقط ، ولكنه عن كل ما هو قبيح من قول أو عمل كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام ( إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث يومئذ ولا يصخب ، فإن شاتمه أحد أو قاتله فليقل إني أمرؤ صائم ) .
10 – عززوا فيهم الأخلاق السمحة والنبيلة كالتسامح ومساعدة الضعفاء ، وأبغضوا في نفوسهم الأخلاق السيئة والأعمال القبيحة كالنميمة والسرقة علموهم أن الرب تبارك في علاه معنا في رمضان وغير رمضان ،
11- خصصوا لأبنائكم جزءا في المنزل للصلاة وتلاوة القرآن في شهر رمضان ليستشعروا فضله وتميّزه عن غيره ، وقل لهم انه يكفي الصيام فخرا ان الله نسبه اليه كما في الحديث القدسي ( كل عمل ابن ادم له إلا الصوم فانه لي وانأ اجزي به ) .
12 – بيّن لهم أن رمضان هدية من الرب لعباده الصالحين ، وأن الله فضّل ايامه على سائر الأيام وخصّه بنزول القرآن ، وفيه تُصفد الشياطين وتُرفع الدرجات ، وتُضاعف الحسنات وتُغفر الزلات والذنوب .
13 – رغّبوا إليهم الصيام بأنه جُنة ، وأن العمرة في رمضان تعدل حجة كاملة ، وأن للصائمين بابا في الجنة لا يدخل منه غيرهم يسمى باب الريان .
14 – اعلموا ان رمضان مدرسة ربانية للتربية ويجب استثمارها لتصبح آدابها وأخلاقها ملازمة للأبناء طول عمرهم ، فمثلا اجعلوا العشرة الاولى من رمضان تعليم وترويض للتخلص من السلوكيات السيئة ، والعشرة الوسطى تطبيق ما تعلموا وتعويدهم على الأفعال الحسنة ، والعشرة الاخرى مكافآت لمن يتجاوز السيئات ويعمل الصالحات ، واعملوا على ترسيخ ما تعلموه وطبقوه في أذهانهم ليصبح ديدنهم في الحياة .
وختاماً ؛ أسأل الله الهدى والتقى والعفاف والغنى لي ولجميع المسلمين ، وأدعوه جلّ شأنه أن يتقبل الصيام والقيام ، وأن يرحمنا برحمته ويغفر لنا ذنوبنا ، وأدعوه جلّ شأنه أن يكشف غمتنا ويفرج كربتنا ، ويرفع عنا البلاء والغلاء والوباء ، وصلى الله على نبينا محمد وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمي