جاء العيد كما هو موعده، لكنه جاء على غير عادته، وكأنه يتمثل قول المتنبي:
عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ
بِما مَضى أَم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُ
أَمّا الأَحِبَّةُ فَالبَيداءُ دونَهُمُ
فَلَيتَ دونَكَ بيداً دونَها بيدُ
المتنبي يقول:
أحبتي بعداء، فما أصنع بك أنت؟!
و أنا أقول :
(ما أقبَلَ العِيدُ أو هَبَّت نسائِمُهُ)
إلا تذكرت من للعيد عنوان
أبي الذي كان عيدي وابتسامته
عيدٌ و حب وأفراح وتحنان
أمي وبهجتها بالعيد ترسمه
وكل ما حولنا بالحب ألوان.
قد يوافقني الكثيرون،
لكننا أيها القراء الكرام، وإن استشهدنا ببيتي المتنبي وغيره، فهي مشاعر،
لن نتمثلها فعلًا؛ لأن ديننا القويم أمرنا بالفرح وقت العيد، حتى لو افتقدنا أحبتنا، وهذا من تعظيم شعائر الله.
قال الله عزّ و جلّ:
﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾
( قيل في التفسير: ﴿ شَعَائِرَ اللَّهِ ﴾ أعلام دينه، ﴿ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾؛ أي: فإن تعظيمها من تقوى القلوب.)
فالعيد وما يحمله من صفاء النفوس فرصة…
فرصة للتقارب. والود, والإصلاح.
لا أظن من صام رمضان وأمام عينيه ( إيمانًا واحتسابًا) سيتخلى عن مبادئ الدين في فرحة منحها الله له، ليسعد مع أهله وأحبابه، وجميعهم بخير ونعمة وسعة من الرزق.
و ليس من مكارم الأخلاق تجاهل أصحاب الفضل علينا من البشر أيًا كان فضلهم؛ فكيف بخالقنا ورازقنا والمتصرف بجميع شؤوننا،
أيعقل أن نعصية بملبس عارٍ، أو تبرج، وما شابهه من لهو وغناء وطرب، وسلوك لا يجوز؟!!
إنما الفرح المشروع طاعة بالقول والعمل.
روت عائشة رضي الله عنها قالت :
دخلَ عليَّ أبو بَكرٍ وعندي جاريتانِ من جواري الأنصارِ تُغنِّيانِ بما تقاوَلت بِهِ الأنصارُ في يومِ بُعاثٍ قالت وليستَا بمغنِّيتينِ فقالَ أبو بَكرٍ أبمزمورِ الشَّيطانِ في بيتِ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ وذلِكَ في يومِ عيدِ الفطرِ فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ يا أبا بَكرٍ إنَّ لِكلِّ قومٍ عيدًا وَهذا عيدُنا.
أيها القراء:
لا تنسوا في خضم الحياة أن قلوبنا بين إصبعين من أصابع الرحمن؛ وهنا يجب علينا، أن نحرص على الثبات على العمل الصالح بعد رمضان، و أن نسأل الله الثبات على الحق، حتى نلقاه.
العيد فرحة شرعت من ربنا سبحانه و تعالى، كما ذكر الرسول عليه الصلاة والسلام.
أيها الفضلاء :
العيد ذكر وتكبير وفرحة طاعة،
العيد سلامة قلب من الحقد، وبسمة طفل تشاركونها فتملأ جنبات المكان، العيد وصل، وبرٌ متجدد، العيد سعادة بإنجاز لوجه الله، ليس لأحد سواه.
العيد شعيرة سامية، وفرحة أمة متماسكة
عن أنس رضي الله عنه قال: قدِمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المدينةَ ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: “قد أبدَلكم الله خيراً منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر”
رواه أبو داود والنسائي.
قال ابن جرير في ذكر أحداث السنة الثانية من الهجرة: “وفيها صلّى النبيُّ صلى الله عليه وسلم صلاة العيد، وخرج بالنّاس إلى المصلَّى، فكانت أوّل صلاة عيد صلاّها.
ما أعظم هذا الدين الذي أغنانا الله به عن ما سواه.
همسة :
يوم واحد شّرع من الله بالفرح المباح، لا تحرموا من حولكم ما فيه من مباحات، و لا تعتذروا بما نحن فيه من حجر منزلي، و تذكروا ما حولكم من النعم :
الدين السليم، والأمن والأمان، و ولاة أمر و علماء، حريصون كل الحرص على مصالحكم، وغيرها الكثير من النعم، تستحق الشكر لواهبها، سبحانه و تعالى.
و كل عام أنتم بخير..