سادها الهدوء على غير العادة، ودون إعداد مسبق، وخلال أيام تغير كثير من طبائع وسلوكيات سكانها، الاجتماعات المعتادة لم تعد، الأعمال والوظائف والمدارس توقفت.
ساد الهدوء حتى أحاديث بعض البشر.
المدينة الصاخبة لم تعد كذلك، الحركة التجارية توقفت أمام بعض المارة..
ساد هدوء من نوع آخر، إنه الهدوء الذي يسبق العاصفة..!
نعم.. عاصفة من نوع خاص.
تلك المدينة و خلال فترة قصيرة، تحولت إلى مدينة إلكترونية..
فمن يريد مأكلًا أو مشربًا أو ملبسًا، يصل إليه عبر المتاجر الإلكترونية و تطبيقاتها..
لكن:
ما شأن تلك الوظائف والمدارس التي توقفت؟
هي الأخرى عاودت العمل إلكترونيًا.
هناك من يعمل، وهناك من ينجز، و يدرس ويختبر، حتى ظهرت النتائج..
تلك المدينة ليست ( أفلاطونية ) كما يظن البعض، إنها مدينة على أرض الواقع، أعيش فيها وتعيش أنت، أيها القارئ..
عندما نقول إن الموقف يُظهر الآخرين،
فهذه الأزمة العالمية ( فايروس كورونا)
أظهرت حقائق أمم..
ليست تلك الأمم مجال حديثي، إنما أنا و أنتم المقصود..
ماذا أظهرت منا تلك الأزمة؟
وماذا حققنا خلالها من إنجاز؟
و مالعبرة التي خرجنا بها منذ بداية الأزمة، إلى هذه اللحظة؟
أسئلة كثيرة، لا يمكن حصرها في هذه المقالة، لكني سأشير إلى بعض ما رأيت وسمعت من واقع البعض..
من واقع البعض أن الخبز الذي يُشترى يوميًا، أصبح يخبز في المنازل ..!
و معظم الطبخات التي تطلب من المطاعم، أصبحت تطبخ في المنزل..!
هذه الأزمة، وهذا الموقف أظهر مواهب كثيرة، كان يجزم أصحابها أنهم لا يملكونها.!
( إنه الموقف حينما يصنع صاحبه)
هناك من أعاد ترتيب أولوياته؛ لأنه اكتشف بعض الأخطاء في زحام( التيه).
و هناك من اكتشف من حوله؛ لأنه كان غافلًا عنهم..!
و هناك من كان الصبر من أولوياته نتيجة واقع اكتشف أنه لا يناسبه..!
وهناك من انشغل بنفسه و من حوله؛ لأنه أصيب بهذا الوباء!
هذه المواقف وغيرها، واقع معظم البيوت، وليست من نسج خيالي..
و هي بتدبير و مشيئة خالق الكون، سبحانه و تعالى.
جدير بنا أيها القراء أن نتأمل قوله تعالى:
﴿ وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ﴾،
بعد أن أُشرعت أبواب تلك المدينة، حذار أن تخسروا مذاق الصبر الجميل..
ذلك المذاق يا كرام تجدون لذته في سجدة في بيوت الله، و قيام لله في قنوت وخضوع وشكر له يليق بعظمته سبحانه.
يا ترى:
من منا قد أعادته تلك الحكاية إلى نقطة البداية؟؟
نقطة البداية يا كرام :
هي أن نعود إلى أصول كثيرة، أصل البشر، وحقيقتهم، و الغاية من وجودهم، وكيف يجب أن يكونوا في هذه الحياة؟
، و من أجل من؟؟
أيها القارئ الكريم:
لست وحدك، فلا تطغى و تتجبر..!
و لا تتمثل بأي حال من الأحوال ما ذكره ذاك الشاعر :
عوى الذئبُ فاستأنستُ بالذئبِ إذ عوى
وصوَتَ إنسانٌ فكدتُ أطيرُ.
فالمرء كثير بإخوانه، وهذا ينطبق على أخوة النسب أو أخوة الدين..
في الأفراح و الأتراح، يجب أن نكون حريصين على تلك الأخوة، وتلك الخيرية :
(خير الناس، أنفعهم للناس )
أيها القراء :
عالم البشرية والإنسانية لا يعترف بالبقاء للأقوى، إنما كما قال الله تعالى :
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }
ليس الهدف أن تبقى وحدك، لتحاول التخلص من الجميع، و لا أن تبقى معهم و أنت تفخر بنسب أو مال أو جاه، فليس هذا هو المقياس الحقيقي..
أخيرًا :
ما أروع و أجمل تلك الروح المؤمنة، الإيجابية التي تتطلع مستقبلًا أن تروي حكاية تلك المدينة بعد أن يعود الأمل، ويشرق من جديد؛ لتسطر من خلاله، أجمل حكايات الصبر، و الشكر لله وحده..
المشاهدات : 1866
التعليقات: 0